وردت كلمة «سلام» 40 مرة خلال خطاب رئيس الوزراء نتنياهو في افتتاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كما أفاد من نيويورك زميلي ايتمار آيخنر. بتواتر أقل، ولكنه يبقى عاليا، ظهرت كلمات «شرق أوسط جديد» و»فلسطينيين».
مثلما في دخول شعب إسرائيل «أرض الميعاد»، قال نتنياهو في مستهل خطابه للمشاركين في الجمعية، هكذا اليوم أيضا تقف إسرائيل أمام الاختيار بين جبل جرزيم وجبل عيبال، بين جبل براخا (البركة) وجبل كلالا (اللعنة). اللعنة، على حد قوله، هي استمرار الحروب، والبركة هي التي تحقق رؤيا السلام. ومثل وصية سيدنا موسى في سفر الأسفار من الواجب علينا الآن أيضا ان نختار جبل البركة.
في أقواله مجد نتنياهو «اتفاقات إبراهيم»: «أربعة اتفاقات سلام وتطبيع تحققت في غضون أربعة اشهر» بفضل مبادرة وعمل الرئيس ترامب. وعلى جدول الاعمال، بشّر بيبي، «اختراق تاريخي لاتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية». اتفاق يقرب ويسرع أيضا «السلام مع الفلسطينيين»، الذي ذكره نتنياهو بضع مرات اثناء خطابه. من على منصة الأمم المتحدة عرض خريطة «شرق أوسط جديد» يقوم على أساس السلام، المشاركة، التفاهم، وربط البنى التحتية عابرة الحدود. من جهته تعهد نتنياهو ألا يفوت الفرصة: «لن أتوقف عن بذل اقصى الجهود كي أزيل العوائق الكثيرة في الطريق الى السلام وتحقيقه»، وعد.
ألقى نتنياهو خطاب السلام، في الأمم المتحدة في 22 أيلول 2023، قبل أسبوعين من السبت الأسود في 7 تشرين الأول. بعده كل شيء تغير. عبثاً نبحث في لحظات ظهوره وخطاباته الأخيرة عن أي تطرق للسلام، الكلمة النكراء التي يحظر ذكرها. استبدل التطلع لـ «السلام» بالتطلع لـ «السيطرة». ليس فقط السيطرة العسكرية الكاملة في قطاع غزة بل أيضا سيطرة عسكرية جزئية في لبنان وفي سورية، الدولتين المجاورتين اللتين تحررتا من دائرة الخناق الإيراني ونظاماهما الجديدان كانا منفتحين على التطبيع، بل على السلام مع إسرائيل. لكن حكومة إسرائيل الحالية لم يكن ولن يكون لديها اهتمام بالسلام، حتى مع لبنان وسورية. والدليل هو ان الائتلاف لا يتحرك ميلمترا في اتجاه اتفاق معهما. رئيس الوزراء مقتنع، الآن، بان القوة العسكرية فقط يمكنها أن تضمن أمن الإسرائيليين. القوة العسكرية وليس الاتفاقات السياسية التي بالغ بيبي في تأييدها وتمجيدها في الأمم المتحدة.
بالغ وعن حق. الواقع حولنا يثبت: اتفاق السلام هو الضمانة للأمن الدائم. خلال اثناء السنة والنصف الماضيتين، بينما احتدمت حرب «السيوف الحديدية» الى حد قتل عشرات الآلاف في غزة، كانت الحدود بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن هادئة وآمنة. ليس بسبب السيطرة الإسرائيلية العسكرية في قطاعات أمنية خلف الحدود (لا توجد كهذه) بل بسبب اتفاقات السلام التي وقعها مناحم بيغن مع الرئيس السادات واسحق رابين مع الملك حسين. واصل سياح من إسرائيل الزيارة بأمان في الإمارات الإسلامية ليس لان جنودنا يرابطون في أراضيها (لا يرابطون) بل لان الامارات وقعت على اتفاقات سلام معنا. أكثرت وزيرة المواصلات، ميري ريغف، من سفرياتها الى المغرب، الدولة العربية ذات السكان الأكثر لاسامية، ليس بفضل تواجد الجيش الإسرائيلي في المكان (لا يتواجد)؛ بل بفضل اتفاقات أوسلو وبعدها اتفاقات إبراهيم.
نتنياهو أيلول 2023 استند على نحو صائب الى «التناخ» (الكتب المقدسة) حين ذكرنا وذكر العالم بان الاختيار المصيري لشعب إسرائيل هو مرة أخرى التوجه الى جبل البركة الذي هو جبل السلام وبين التوجه الى جبل اللعنة الذي هو جبل الحروب. الاختيار بين رؤية السلام كهدف أسمى للسياسة القومية وبين رؤية السيطرة العسكرية – الحربية كهدف أسمى كهذا.
في ظروف متطرفة، كتلك التي نشأت بعد مذبحة تشرين الأول، لا يوجد لأمة محبة للحياة خيار غير الحرب العادلة ضد عدو وحشي وتصفيته. لكن النصر العسكري، مهما حقق من إنجازات، ليس غاية القتال؛ التسوية السياسية هي الغاية، واتفاق السلام هو الهدف. نوصي بالتالي رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن يستمع الى أقواله هو نفسه في خطابه المبهر - والمنسي – في الأمم المتحدة في أيلول 2023: يتمنى شعب إسرائيل السلام الحقيقي... وانا نفسي أتمناه وأسعى اليه، بعد أن جربت بنفسي الثمن الرهيب للحروب.
عن «يديعوت»