بقلم: علي حمادة
قبل أن تباشر جماعة الحوثي في اليمن هجماتها على الملاحة الدولية و"حزب الله" في لبنان هجماته على المواقع الإسرائيلية في الشمال، كان كل الانتباه منصباً على حرب إسرائيل على غزة. بعدها تمادى الحوثيون في مهاجمة سفن تجارية معظمها لا صلة لها بإسرائيل، إضافة إلى استهداف القطع البحرية الأميركية والبريطانية التي تمسكت منذ منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لغاية الثاني عشر من كانون الثاني(يناير) الحالي بوضعية دفاعية، انحصرت مهمتها بإسقاط المسيرات المفخخة والصواريخ البالستية أو المضادة للسفن من دون الذهاب إلى حد الرد على الضربات. صار كل الهم التصدي للهجمات التي أثرت على سلاسل الإمداد العالمية وحرية الملاحة البحرية الدولية والمعابر. واليوم انتقل التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة إلى الرد بقوة على هجمات جماعة الحوثي وجارٍ الآن تدمير منهجي لمنصات إطلاق الصواريخ والبنية التحتية لسلاح الصواريخ والمسيرات المفخخة.
في حالة "حزب الله" شكل دخوله على الخط في اليوم التالي في 8 تشرين الأول( أكتوبر) مناسبة لاستدرار كل الانتباه الدولي على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية على حساب الاهتمام بالحرب في غزة. والهجمات التي ينفذها "حزب الله" ضد القوات الإسرائيلية في الشمال ظلت حتى اليوم مجرد مناوشات، فيما تحولت على الجانب الآخر للحدود إلى حرب صغيرة تشنها إسرائيل ضد الحزب المذكور.
معلوم أن هجمات جماعة الحوثي و"حزب الله" هي ترجمة لقرار مركزي متخذ في طهران تنفذه الفصائل الإيرانية في الساحات المعنية. والقرار يحظر التورط في حرب شاملة وواسعة، و"حزب الله" معني بالحدود المرسومة التي يراد منها تجنب التفريط به في هذه المرحلة، فالحزب يلعب دور الاحتياطي الاستراتيجي للنظام في طهران وزجه اليوم في حرب تعرف إيران أنه لن يسمح لها بأن تربحها بكل الوسائل المتاحة أو الممكنة، حتى لو استلزم الأمر توجيه ضربة مباشرة ساحقة لإيران لتذكيرها بقواعد التعامل مع القوى العظمى وحساباتها الاستراتيجية الكبرى. بهذا المعنى فإن تعريض وجود إسرائيل لخطر حقيقي سيواجه من الغرب بحرب شاملة. وستمارس روسيا على أقل تقدير موقف الجهة المسهلة لمنع تهديد وجود إسرائيل، ومن جهتها ستحذو الصين حذو روسيا على طريقتها.
تعرف إيران جيداً أن قوة الحوثيين و"حزب الله" والفصائل في العراق وسوريا مجتمعة لا تقارن بقدرات التحالف العابر لخطوط الصراع الدولي. امام هذا التحالف غير المعلن ستكون إيران مجرد قزم.
من هنا ستتوالى الضربات الغربية ضد جماعة الحوثي إلى أن يتوقف تهديد أمن الممرات البحرية الدولية التي لا تلتفت إلى شعارات ترفع في شوارع صنعاء أو طهران. كما أن التصعيد الإسرائيلي الذي يعطي كل يوم "حزب الله" سبباً للتورط في حرب سيستمر ويتصاعد، لأن تل أبيب تسعى لإشعال الحرب وليس العكس.
إذاً، نحن أمام واقع مختلف عما يصوره محور "الممانعة". فإيران التي تحرك أذرعها من العراق إلى اليمن مروراً بسوريا ولبنان تفهم تماما حدود الهوامش التي تتحرك من ضمنها. في حالة الحوثيين تجاوزت طهران الهوامش المسموح بها، لذلك سيتم توجيه ضربات متتابعة للطرف المعني. أما في حالة لبنان فحرب الاغتيالات المتواصلة قدماً ستكون حدود الرد الحالي على تسخين الجبهة من جانب طرف واحد. تابعوا عن قرب ما يحدث في "قلب العروبة النابض" سوريا التي لا يحرك فيها النظام ساكناً إزاء كل ما يحدث في فلسطين، لبنان والإقليم. إنه مؤشر.
عن النهار