تتسارع وتيرة التصعيد بين إسرائيل و»حزب الله»، إذ بلغت ذروتها، ليلة السبت، برفع وتيرة الضربات المتبادلة وخصوصا من الجانب اللبناني على عدة مواقع إسرائيلية، ليلة وصفتها المصادر في تل أبيب بالليلة الأعنف منذ بداية الحرب وسط قلق من تدهور الأوضاع وتوسيع رقعتها لتنزلق في الشمال نحو حرب واسعة على نمط ما يحري في غزة.
يترافق التصعيد مع زيادة وتيرة التهديدات الإسرائيلية ضد الحزب على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي أبرزهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وجميعها تشير إلى اقتراب ساعة الصفر وأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بالواقع الذي كان قبل السابع من أكتوبر، ولديها اشتراطات جديدة وترغب بتغيير الواقع القائم هناك لجهة سحب «حزب الله» قواته نحو الجنوب. ويتردد في إسرائيل الإنذار بأنها قررت المضي قدما بتغيير الواقع إما باتفاق وإذا لم يكن فبالقوة المسلحة.
أفاقت إسرائيل على صدمة السابع من أكتوبر وما فعلته بها حركة حماس من اجتياح لمناطق واسعة في الكيبوتسات المجاورة لحدود قطاع غزة، وهي الخطة التي كانت تتحسب لها من الحدود الشمالية من قبل قوة الرضوان الخاصة بـ»حزب الله» والتي جرت الإشارة لها في تقارير أمنية سابقة. وكان السؤال: ماذا لو تزامن دخول قوات «حزب الله» من الشمال مع دخول قوات «حماس»؟ وبالرغم من أنه لم يدخل، وظل سؤال: ماذا لو تكرر ذلك من قبل «حزب الله» الذي يمتلك من المقاتلين والعتاد أضعاف ما تمتلكه الحركة الفلسطينية بجانب نوعية التدريب واحتكاكه بالقوات الخاصة الروسية لسنوات في سورية حيث تلقى خبرات وتكنولوجيا فائقة، ماذا سيكون وضع إسرائيل التي ترنحت أمام حركة صغيرة محاصرة منذ أكثر من عقد ونصف العقد وتصنع سلاحها يدوياً؟
لم يمهل «حزب الله» إسرائيل طويلا بالبحث عن إجابات للأسئلة القلقة، ودخل في اليوم الثاني على خط المعركة مسانداً بما لا يفهم أنه لم يصمت على ضرب غزة وبما لا يرفع وتيرة التصعيد نحو حالة حرب، محافظاً على وتيرة تسير بين خطين متوازيين، فترد إسرائيل بما لا يكسر تلك المعادلة وتحاول رفع الوتيرة بالاغتيالات لكنها بقيت تشير لنذر الخطر القادم من معادلة الخطر القائم ما قبل السابع من أكتوبر الذي أضاءت عملية ذلك اليوم إشاراته الحمراء.
إسرائيل تضع العالم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يحل المشكلة بحيث تضمن أن لا تهديد مستقبليا من الجهة الشمالية دبلوماسيا أو أن تحلها عسكريا، وتضخ ما يكفي من التصريحات المغذية لذلك، كأنها تقول للعالم، إنها مستعدة لتوسيع الحرب إذا لم يتدخل، وهو آخر ما يريده العالم والولايات المتحدة وخصوصا بعد دخول الحوثي على خط المواجهة وتأثير ذلك على الملاحة والاقتصاد الدولي.
تتزامن التهديدات الإسرائيلية مع نيران متقابلة على الجانبين تشي باستعصاء قد يتدهور في أي لحظة. هكذا تبدو الأمور للوهلة الأولى ومع ارتفاع الوتيرة يتزايد الخطر كأننا نقترب من المواجهة الكبرى، يترافق ذلك مع تسريبات متعمدة من تل أبيب بأن القرار قاب قوسين أو أدنى وأن إسرائيل أوعزت للمستشفيات في الشمال برفع جاهزيتها لاستقبال آلاف الإصابات وللبلديات بالتجهيز لعمليات نزوح أوسع ما يعني اقتراب ساعة الصفر.
يعزز تلك التخوفات لدى المراقبين أن المعادلة التي وضعتها إسرائيل شديدة التعقيد إما.. أو، ولأن، إما باتت تجد صعوبة كبيرة بشكل متصاعد في ظل رفض «حزب الله» واستمراره بالعراك، وإن كانت المعركة التي فتحها هي نافذة تضامن لا أكثر رغم كلفتها العالية فقد دفع حتى الآن أكثر من مائة وسبعين من رجاله أبرزهم وسام الطويل القيادي العسكري الكبير. لكن التخوفات تزداد بعد مؤشرين كبيرين أولهما تلقي إسرائيل صفقة أسلحة قتالية كبيرة تتضمن 25 طائرة «اف 35» المتملصة ومثلها 25 طائرة «اف 15» القادرة على الطيران لمسافات بعيدة و12 طائرة مروحية من طراز «أباتشي» وآلاف الأطنان من الذخائر.
المؤشر الثاني وهو سحب لواء «غولاني» من غزة، وهو اللواء المتخصص بالمعارك الشمالية بعكس لواء «غفعاتي» الذي تأسس لمعارك الجبهة الجنوبية. وسمي لواء «غولاني» على اسم هضبة الجولان لأن عمله يتركز في الشمال وأعلن أنه تم سحبه بهدف الاستراحة والتدريب لكن ربما كان الأمر يتعلق بالجبهة الشمالية.
ومع كل هذا من أجواء حرب وميدان يشتعل وتهديدات وأسلحة وحريق ينذر بالتصاعد فهل نحن أمام حرب في الشمال؟ السؤال الأهم: هل تريد إسرائيل فتح جبهة أخرى مع جبهة غزة؟ هل تحتمل الانتخابات الأميركية حرباً موسعة؟ هل تحتمل أوروبا استمرار مشاغلة الحوثي لاقتصادها في البحر الأحمر؟ أسئلة كثيرة ربما تخفض من وتيرة الحرب هي أكثر جدية من ممكنات اندلاعها.
لإسرائيل مصلحة في توسيع الحرب، فهي فرصة لن تتكرر لإنهاء كل مهددات أمنها القومي دفعة واحدة فهذا العام لديها احتضان غربي تحظى به وغطاء أميركي وتتواجد حاملات الطائرات الأميركية وغواصة نووية وتلك لن تتوفر دائما فلماذا لا تدفع بالجميع نحو مواجهة هي المتضرر الوحيد من عدم حصولها؟
لكن إذا كانت إسرائيل قادرة على شن حرب على غزة فإن القرار بفتح جبهة الشمال هو قرار أميركي بامتياز، وهذا يخفف هواجس الحرب فالولايات المتحدة أرسلت مبكرا مبعوثها عاموس هوكشتاين لمنعها بأي وسيلة وليعرض ترسيم الحدود البرية. فالولايات المتحدة لن تقبل بحرب هناك فهي من فرض اتفاق الغاز على إسرائيل وهي من سيفرض عليها حدود المعركة شمالا. وطالما أن الحزب لا يريد حربا وهو متضامن فقط ولديه من أسبابه الداخلية ما يكبح الرغبة بحرب واسعة، في حين أن إسرائيل هي من ترى بالفرصة سانحة فإن الولايات المتحدة لن تترك لها اللجام.