بقلم: موفق حرب
اشتهر وزير خارجية إسرائيل الأسبق أبا إيبان بقوله إنّ "الفلسطينيين لا يفوّتون فرصة لتفويت الفرصة"، في إشارة إلى أنّ الجانب الفلسطيني كان دائماً يرفض الطروحات الإسرائيلية والدولية منذ قرار تقسيم فلسطين، لكنّ الأدوار ربّما تكون قد انقلبت اليوم وأضحت إسرائيل هي من تضيّع الفرص.
الولايات المتحدة وإسرائيل ألقوا اللوم على الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بأنّه أضاع فرصة مفاوضات كامب ديفيد حين رفض المقترحات الإسرائيلية، وأمّا الجانب الفلسطيني آنذاك فشدّد على أنّه لم يكن هناك عرض واضح على طاولة المفاوضات إنّما أفكار ومقترحات افتراضية، تبلورت فيما بعد إلى أفكار بيل كلينتون في طابا، لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك سقط في الانتخابات ودخلت المنطقة في مرحلة أرييل شارون وما تلاها من انهيار وتراجع مسار أوسلو التفاوضي.
الاهتمام الدوليّ بحلّ الدولتين
الدعوة المتزايدة إلى إقامة الدولة الفلسطينية قد تكون هروباً إلى الأمام وتجاهلاً للتفاصيل اليومية التي تقوّض قيام هذه الدولة نتيجة التصرّفات الإسرائيلية. إلا أنّ الاهتمام الدولي المتزايد بالموضوع قد يشكّل فرصة لدخول المنطقة بحالة من الاستقرار والسلام، لكنّ الحكومة اليمينيّة الإسرائيلية التي تجاهر برفضها لمبدأ الدولة الفلسطينية، إضافة إلى تنامي رفض الرأي العامّ الإسرائيلي المتنامي للدولة الفلسطينية بعد "طوفان الأقصى"، قد يبدّدان أيّ فرصة سانحة من خلال التدمير والقتل.في عام 2002 تمّ إعلان المبادرة العربية للسلام في بيروت التي تعهّدت فيها الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية وانسحاب إسرائيل إلى حدود 4 حزيران 1967، لكنّ إسرائيل فوّتت هذه الفرصة ولم تستغلّ استعداد الدول العربية لقبول نهاية الصراع معها وإقامة علاقات طبيعية واستمرّت بتوسيع المستوطنات وتقويض السلطة الفلسطينية.
في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كانت هناك مقاربة مختلفة للسلام مع إسرائيل حيث قبل عدد من الدول العربية بإقامة علاقات طبيعية مع تل أبيب، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى خلق حالة دفع يمكن أن تخلق جوّاً من التعاون الإقليمي قد يُبنى عليه لينسحب على السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن بدلاً من الاستفادة من هذا التجاوب العربي قامت أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرّفاً في تاريخ إسرائيل واستمرّت تصرّفات المستوطنين بحقّ الفلسطينيين في الضفة الغربية، إضافة إلى التمادي بحصار غزة.
إسقاط نتانياهو فرصة جديدة
المجتمع الدولي الذي فشل في وقف الحرب التدميرية في غزة، يحاول أن يجد فرصة لحلّ النزاع من خلال الدعوات المتزايدة إلى إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلّة، مستفيداً من التعاطف والاهتمام الدوليَّين بالقضية الفلسطينية. وأيضاً إسرائيل، التي لا تزال تتلوّى من هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، ترفض تقديم أيّ تنازل في مرحلة ما يعرف "اليوم التالي"، ولا تبدي أيّ إشارة إلى أنّها لن تعود إلى ممارساتها قبل 7 أكتوبر.
الرأي العامّ العالمي اليوم يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين بعدما أبدى تعاطفاً مع إسرائيل بعد "طوفان الأقصى"، وهناك استعداد دولي للمساهمة بعد سنين من التجاهل في حلّ النزاع، وهذا يشكّل فرصة على أمل أن لا تضيّعها حكومة نتانياهو.قرار محكمة العدل الدولية بالنظر إلى احتمال أن يكون هناك تصرّفات إسرائيلية ترقى إلى الإبادة الجماعية واتّخاذ قرارات احترازية مؤقّتة تطلب من إسرائيل حماية المدنيين سيكون سيفاً مسلّطاً على إسرائيل يمكن أن تستغلّه المعارضة الإسرائيلية وتحمِّل تبعاته لحكومة نتانياهو وفريقه المتطرّف. هناك فرصة لتجنّب إسرائيل تداعيات المحكمة الدولية من خلال إسقاط حكومة نتانياهو والانخراط بعملية سلمية جدّية تستفيد من دروس حرب غزة. وهنا يعود القرار إلى الناخب الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة وإعادة إحياء طبقة سياسية مستعدّة لتقديم تنازلات وتقبل بقيام الدولة الفلسطينية، أو الاستمرار بإعطاء اليمين المتطرّف مقاعد أكثر في الكنيست تسمح له بتشكيل حكومات تمعن في تقويض حلّ الدولتين. وتكون إسرائيل بذلك هي من يقوم اليوم بتضييع الفرص.
عن موقع اساس