بقلم: فلاح الحسن
يقول الكاتب والصحافي الإيراني المعارض أحمد زيد أبادي إنّ ما يستدعي التوقّف عنده في الانتخابات الإيرانية هو أنّ جميع رؤساء الجمهورية السابقين، وتولّوا رئاسة السلطة التنفيذية لمدّة ثماني سنوات موزّعة على دورتين، من هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، قد تمّ رفضهم من قبل مجلس خبراء الدستور ولجنة دراسة أهليّة المرشّحين عندما فكّروا في المشاركة في الترشّح مرّة جديدة، ولا يستثنى من هذا الأمر سوى المرشد الأعلى الذي انتقل من الرئاسة إلى القيادة بعد وفاة المؤسّس.
المنطلقات أو المعايير التي من المفترض أن تبني قرار مجلس صيانة الدستور في رفض أهليّة وصلاحيّة أيّ من المرشّحين لرئاسة الجمهورية، أن يكون ملتزماً بالنظام الإسلامي ومبدأ ولاية الفقيه المطلقة، بالإضافة إلى التزامه بالإسلام عقيدة ومسلكاً، وإنّ سقوط أو فقدان أيّ مرشّح لأيّ من هذه الشروط يسمح لهذا المجلس بأن يخرجه من هذا السباق. وإذا ما كان من السهل على فقهاء مجلس الصيانة اتّهام خاتمي بالانحراف عن الإسلام انطلاقاً من مشروعه الإصلاحي الليبرالي، فإنّ هؤلاء واجهوا معضلة في تسويغ الأسباب الموجبة لرفض ترشّح رفسنجاني عام 2013، والبحث عن مخرج لتغطية الأسباب الحقيقية لهذا القرار، فلم يجدوا سبباً سوى "كهولة السنّ والعمر" التي قد تحول دون أدائه لوظائفه ومهمّاته بالشكل الصحيح والدقيق.
إلا أنّ الأسباب الحقيقية جاءت في التقرير الذي قدّمه وزير الاستخبارات الأسبق حيدر مصلحي في عهد أحمدي نجاد إلى هذا المجلس وكشف عن التهديد الذي تشكّله عودة رفنسجاني لمشروع التيار المحافظ في حال عودته إلى الرئاسة، وأنّه قد يخلط الأوراق ويعيدهم إلى نقطة الصفر. في حين أنّ المعيار الفقهي والديني الذي أشاعوه عن أسباب الرفض هو أنّ هؤلاء المرشّحين الرؤساء "انحرفوا عقائدياً"، وبالتالي سقط الشرط الأساس في أهليّتهم لتولّي السلطة، وهو تعبير عن الحدّ الأدنى الذي مارسوه انطلاقاً من موقعهم الدستوري في معارضة أو مخالفة قرارات المرشد أو وليّ الفقيه المطلق الصلاحية الذي تتجاوز صلاحياته كلّ النصوص الدستورية، فضلاً عن كونه يملك صلاحية تعطيل قرارات أيّ سلطة من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحتى تعطيل الدستور والأحكام الشرعية والدينية.إذا ما كان فقهاء مجلس صيانة الدستور يعتقدون إمكانية حصول تحوّل أو تغيير حتى على المستوى العقائدي في سلوك وعقائد والتزام أيّ شخص أو فرد، وهي سُنّة الحياة على جميع المستويات، فإنّهم في المقابل يطلبون ويطالبون أيّ فرد يسعى إلى الدخول في دائرة القرار أو المشاركة السياسية بأن يكون جامداً في عقائده أو التزامه الفكري والسلوكي والسياسي، بما يعني تعطيل المسار التطوّري للفرد والمجتمع إلا ما يخدم رؤيتهم التي هي ترجمة لرؤية النظام والسلطة ومنظومة الحكم والدولة العميقة.
انطلاقاً من هذه المحدّدات لم يكن مفاجئاً أن يعلن مجلس صيانة الدستور رفض أو إسقاط أهليّة رئيس الجمهورية السابق حسن روحاني للترشّح لانتخابات مجلس صيانة الدستور، لعدم تجاوزه اختيار "الاجتهاد الفقهي والديني" الذي يعتبر شرطاً لكلّ مرشّح لعضوية هذا المجلس، مع العلم أنّ روحاني سبق أن فاز قبل ثماني سنوات في انتخابات هذا المجلس ولا يزال عضواً فيه حتى نهاية ولايته بانتخاب الأعضاء الجدد، الأمر الذي يطرح سؤالاً قانونياً ودستورياً حول المدّة الباقية لانتهاء عضويّته التي تقارب شهرين: هل يحقّ له ممارسة دوره؟ وهل يكون صوته مقرّراً في حال حصل أيّ تطوّر دراماتيكي للمرشد في هذه الفترة الزمنية أم لا؟ وإذا لم تسقط عضويّته الحالية في مجلس الخبراء بعد ثبوت تراجع مستواه العلمي والاجتهادي، فهل تسقط بعد انتهائها وعند فتح صناديق الاقتراع؟ وهل الأهليّة والصلاحية العلمية متحرّكة ليس في المستوى العلمي بل في المستوى الزمني والسياسي؟بعيداً عن الأسباب التي ألمح إليها مجلس صيانة الدستور لرفض ترشّح روحاني لمجلس خبراء القيادة، فإنّ التاريخ السياسي لروحاني وحجم مشاركته في السلطة ووجوده على مدار العقود الأربعة من عمر النظام في مواقع القرار، سواء في البرلمان أو المجلس الأعلى للقوات المسلّحة أو المجلس الأعلى للأمن القومي وصولاً إلى ستّ عشرة سنة في مجلس خبراء القيادة (8 سنوات لكلّ دورة)، ثمّ تولّيه رئاسة الجمهورية لدورتين (8 سنوات)، قد تكون السبب في هذا الاستبعاد والإبعاد، خاصة أنّ وجوده في عضوية هذا المجلس في دورته الجديدة قد يضعه في الصفّ الأول للمنافسة للوصول إلى موقع القيادة بحكم المواقع التي شغلها والخبرة المتراكمة التي اكتسبها ومعرفته بكواليس وخفايا السلطة وآليّة اتّخاذ القرارات والمواقف ورسم الاستراتيجية وتحديد مصالح النظام القومية والوطنية أكثر من الأعضاء الآخرين، والتي ترجّح كفّته المنطقية أمام مرشّح الدولة العميقة ومنظومة السلطة في حال غاب المرشد الحالي عن المشهد الإيراني بالوفاة أو لسبب آخر. وهو ما يخشاه فريق السلطة ويعرقل مشاريعهم في الإمساك بمفاصل مراكز القرار والقبض على النظام بكلّ مؤسّساته.
لم يقتصر قرار الاستبعاد على روحاني، وإن كان هو الأبرز والأكثر أهميّة، بل شمل أيضاً وزير الاستخبارات السابق في حكومة روحاني وعضو مجلس خبراء القيادة حالياً محمود علوي، الذي رسب في امتحان الأهليّة العلمية، وقد سبق في الانتخابات السابقة أن أُسقطت أهليّة حفيد المؤسّس حسن أحمد الخميني بذريعة تخلّف أو رفض الخميني المشاركة في الامتحان الفقهي لمعرفة درجته العلمية واجتهاده الفقهي.
إخراج روحاني من السباق إلى مجلس خبراء القيادة، بالإضافة إلى المذبحة التي نزلت بمرشّحي الانتخابات البرلمانية التي تجري بالتزامن، وعلى الرغم من بعض جوائز الترضية التي قدّمها مجلس صيانة الدستور للقوى الإصلاحية بتأييد أهليّة بعض المرشّحين المعتدلين أو الإصلاحيين، إلا أنّ هذه الخطوة لم تحصل من دون أن تكون الجهات المعنيّة من التيار المحافظ والدولة العميقة قد عملت على ترتيب معركة إسقاطهم وإسقاط أهليّتهم جماهيرياً وقطع الطريق على عودتهم أو وصولهم إلى الندوة البرلمانية.تكشف جميع هذه المعطيات والتطوّرات أنّ قوى منظومة السلطة والدولة العميقة قد حسمت خياراتها، وعمدت إلى تفسير توجيهات المرشد بإجراء انتخابات حماسيّة ومشاركة شعبية واسعة بما يتناسب مع أهدافها وما تريده، وبالتالي فإنّ الانتخابات المرتقبة مطلع شهر آذار لن تكون سوى آليّة للكشف عن الأسماء التي اختارتها هذه المنظومة، خاصة أنّ جميع التوقّعات، بما فيها توقّعات التيار المحافظ، أن تكون المشاركة الشعبية في أدنى مستوياتها التاريخية، وهو ما تسعى إليه، بأن تُحكم الأكثرية المعارضة بأصوات الأقلّية الموالية، وتترك القوى الإصلاحية والمعتدلة في أزمة البحث عن شرعيّتها السياسية بين التمسّك بالشكل الديمقراطي أو الذهاب إلى موقف متشدّد بمقاطعة النظام وآليّاته بما يشبه العصيان المدني.
عن موقع أساس