أجرى موقع مسار حوارا مع النائب العربي في الكنيست أيمن عودةوفيما يلي نص الحوار:
س1- كيف ترى الآثار المباشرة لعملية أكتوبر وما تلاها من حرب على غزه وخصوصا على الجمهور العربي؟
"حتى أيام الحكم العسكري لم تكن كهذه الأيام" هكذا يجيبني مناضلون كبار السنّ ممّن قارعوا الحكم العسكري سنوات الخمسينيات والستينيات.
دائمًا أرادت المؤسسة الإسرائيلية أن تخلق شخصية "العربي الإسرائيلي" وهو عبارة عن رعيّ في دولة اليهود، لا جذور له ولا إنتماء ولا قضية، وبالوقت ذاته فهو مواطن منقوص لأنه غير يهودي في دولة اليهود. ولكنّ في الشهرين الأخيرين كانت المعادلة أشدّ حدّة أنت معنا كليًا أو ضدنا كليًا. إن لم تكن إسرائيلياً بالكامل فأنت فلسطينيّ بالكامل أي عدوّ ومن الداخل.
المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل حققوا مكاسب تراكمية على مستوى المواطنة والحقوق، بعيدة أن تقترب من المساواة، ولكنها توسّع مساحات الحياة الممكنة. والآن المواطنون العرب عُرضة لخسارة مساحات من هذه الحقوق، لهذا فالتصدّي المنهجي والعاقل للسياسة الحكومية هو أمر ضروري. لهذا شهدنا تظاهرات رفع شعارات، مؤتمرات، كتابة مقالات في الصحف العبرية، خطابات النواب في البرلمان، التوجه الدائم والمنهجي إلى المحكمة بطلب إجراء مظاهرات.
بعد شهرين ونصف من اشتعال الحرب تجب منهجة النضال بالشراكة مع قوى يهودية ديمقراطية، بالأساس من أجل غزة، ومن أجل القضية الفلسطينية، وكذلك من أجل المحافظة على المكتسبات الديمقراطية التي حققها الفلسطينيون مواطني دولة إسرائيل.
س2- ماهي احتمالات الوضع الداخلي في إسرائيل كالانتخابات المبكرة مثلاً أو غيرها؟
هنالك نقطتا ضعف كبيرتان لحكومة نتنياهو سموتريش وبن جفير. وهما عوائل المختطفين، واليوم الذي يترك به چانتس الحكومة.
ذوو المختطفين يحظون بتعاطف شبه مطلق داخل كل الشعب الإسرائيلي. وهم الوحيدون الذين يُسمح لهم بالتظاهر منذ اليوم. ويقترب ذلك اليوم الذي تُصبح به مظاهراتهم كبيرة جدًا. وهم كذلك يستطيعون أن يؤثروا على مجريات الحرب. فالشعار الوحيد الذي يحظى بتأييد شعبي إلى جانب شعار الانتقام، هو: المختطفون أولاً!
أما خروج چانتس من الحكومة، والذي اعتبره سيكون جزءًا من قرار أمريكي فسينضج خلال شهر أو شهرين وهذا سيكون إيذانًا بانطلاق مظاهرات مليونية منهجية ضد الحكومة.
يعاني نتنياهو من اشكاليتين في حكومته:
أعضاء من الليكود متذمّرون بالأصل من حكمه المتفرّد. ومن سياسته بالسنة الأخيرة (خاصة الانقلاب القضائي) وقد انضمّ إليهم من يتّهمه بالمسؤولية الرئيسة عن أحداث 7 أكتوبر، وكذلك هناك انتهازيون بدأوا يشعرون اقتراب سقوط نتنياهو.
بن چفير الذي استطاع بالشهرين الأخيرين أن يلعب دور الغاضب والمعارض اليميني من داخل الائتلاف. هو يستطيع مواصلة هذا الدور ما دام چانتس شريكًا بالحكومة. أي ما دامت الحكومة قائمة حتى بدونه. ولكن خروج چانتس من الحكومة يعني أن الحكومة متعلقة بالمطلق ببقاء بن چفير. وإذا لم تكن وفق سياسته فهذا يعني أنه مسؤول مباشرة.
مهم الالتفات أن مركبات كل ائتلاف حكوميّ تبدأ بالابتعاد عن الحزب الحاكم إذا اشتمّت رائحة انتخابات من أجل مخاطبة شريحتها الانتخابية. أي عند ضعف حكومة تنشأ ديناميكية تغذّي نفسها حتى سقوط الحكومة.
س3- كيف تقوّم أداء الطبقة السياسية الفلسطينية في إسرائيل أثناء الحرب على غزه والهياج الإسرائيلي أثر عملية السابع من اكتوبر تحياتي.
مرة سألت النائب توفيق طوبي عن أصعب لحظة له في البرلمان وهو الذي كان نائبًا به منذ العام 1949 حتى العام 1989. أجابني مباشرة: حرب الأيام الستة! واستطرد: في اليوم الثاني أدخلونا ملجأ الكنيست. بعد قليل دخل موشيه دايان فقفز النواب يحتضنوه ومنهم من يبكي فرحاً. وأنا تراجعت بأسى حتى جلست على الأرض في زاوية الملجأ.
تذكرت مراراً أقوال طوبي كلما دخلت البرلمان في هذا الأسبوع.
هذه المرّة ليسوا فرحين بل هم وحش مجروح!
أنت تدرك أن الحدث المؤسس للفلسطينيين في إسرائيل هو العام 1948 بشقّيه: النكبة والبقاء! لهذا فكانت المسألة الأولى، غريزياً وعقلانياً، هي الحفاظ على الناس. والمسألة الثانية أن نطلق صرخة من أجل غزة وقضيتنا الفلسطينية. والمسألة الثالثة: الحفاظ على المساحات الديمقراطية التي حققناها عبر نضال عشرات السنين.
أعرف أنه بعلم النفس يستطيع الإنسان تقويم ما حدث ولا يستطيع تقويم ما مُنع من الحدوث. مثلا: إذا اشترك الإنسان بحادث طُرق فلن ينساه بحياته. أما إذا تمّ منعه باللحظة الأخيرة فيُنسى، رغم أنه لو حدث فربّما لأوْدى بحياة الراكبين. لهذا فأرى أن التصرّف الوطني والمسؤول لقيادة الفلسطينيين في إسرائيل كان صحيحاً. إلى جانب الموقف المبدئي منذ اللحظة الأولى بأن الاحتلال جذر المشكلة، والحلّ ليس بالحرب وإنما بإقامة دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل. عملنا على التجنيد لهذا الرأي بشكل منهجيّ وما زلنا. المجتمع الإسرائيلي بغالبيته الساحقة كان بحالة احتباس قومي ضيّق. ولكنّ المرحلة القادمة ستكون نقدية أكثر، زرعنا بذور النقد، أصررنا على الموقف بأصعب الظروف، خرجنا إلى الشوارع، تمّ اعتقال العديدين. والآن سيكون المجال أوسع لتجنيد نضال عربي يهودي مشترك ضد الحرب، واستراتيجيا من أجل الحلّ الوحيد الذي يضمن الأمن والمصلحة الحقيقية للشعبين وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.