بقلم: فوزية رشيد
هو عالم جاف يفتقر «نظامه الدولي» القائم على منطق القوة إلى آليات العدالة والمبادئ الدولية التي فقدت مصداقيتها منذ أن فقدت (المؤسسات الدولية والأممية) تلك المصداقية! وحيث عدالة القضايا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بقيت معلقة دائما على حائط (الفيتو) الذي استغلته خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا أبشع استغلال لعرقلة وتعطيل حل القضايا الأممية، إذا لم يكن ذلك الحل متناسبا مع خارطة أجنداتها ومشاريعها الاستعمارية في العالم! حتى تحولت الأمم المتحدة وبقية المؤسسات التابعة لها إلى مجرد أدوات في يد سطوة بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن! تلك السطوة المستمرة منذ تأسيس الأمم المتحدة وفق موازين القوى الدولية بعد الحرب العالمية الثانية لتستمر كما هي رغم المتغيرات الدولية خلال ما يقارب الثمانين عاما!
حرب غزة التي فتحت أمام العالم كل الأسئلة الشائكة، ووضعت النظام الدولي الغربي أمام مرآة الحقيقة والانكشاف، وحيث (محكمة العدل الدولية جزء من منظومة الغرب في الأمم المتحدة)، فإنه لم يكن من المأمول صدور قرار يحقق عدالة حقيقية وإنما جزئية رغم دائرة الضوء العالمية التي ركزت أنوارها على هذه المحكمة في ظل السخط الشعبي العالمي! والاحتجاجات المستمرة على العدوان الوحشي على غزة بحجة أن العدوان هو للقضاء على حماس واستعادة الرهائن بالقوة وارتكاب الإبادة الجماعية لتحقيق هدف لم يتحقق ولن يتحقق بالقوة العسكرية، كما أثبتت أيام العدوان التدميري الطويلة! ورغم ذلك رحب العالم بتلك العدالة الجزئية فقط لأنها غير مسبوقة، طالما أن القضية كانت مرفوعة ضد الكيان الصهيوني الذي كرسه النظام الغربي الدولي ليكون فوق القانون الدولي وفوق المحاسبة والعقاب!
ما تابعه العالم من حرب الإبادة الجماعية لم يكن في حقيقة الأمر بحاجة منذ الشهر الأول إلى رفع قضية ضد الكيان، وإنما لو كان هذا العالم يتمتع بقانون دولي ذي مصداقية لتحركت كل دوله تجاه موقف دولي حاسم ليس فقط ضد الكيان الصهيوني وإنما ضد الولايات المتحدة أو (الويلات المتحدة) كما أطلق عليها أحد المحللين، بسبب استخدامها الجائر للفيتو ضد إرادة أغلب دول العالم! وحيث الاستخدام المتكرر لهذا الفيتو أسهم في إفراغ العدالة الدولية والمؤسسات الأممية من فحواها وجدواها! ما جعل المنظومة الدولية تحت سطوة الغرب وكل مؤسساتها متقاعسة وغير قادرة على اتخاذ أي موقف من المجازر غير المسبوقة في غزة! بل إن العرب والمسلمين بكل دولهم الـ(58 دولة) بدورهم دخلوا دائرة التخاذل والتقاعس وعدم اتخاذ مواقف حاسمة (دبلوماسية وسياسية واقتصادية) فحملت «جنوب إفريقيا» ثقل التحدي للتقاعس الدولي! ورفعت وحدها دعوى تهمة الإبادة الجماعية ضد الكيان وضد الغرب المتواطئ معه!
قيل إن محكمة العدل الدولية، رغم وضوح الأدلة المقدمة وأهمية اتخاذ قرار حاسم بوقف العدوان، لم تأخذ هذا القرار خوفا من «فيتو» أمريكي! أي أن هذا الفيتو المعرقل لقضايا الشعوب العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية (ألقى بظلاله على أعلى جهة قانونية في العالم) بعد أن أجهز بذات «الفيتو» على أعلى جهة تنفيذية أممية هي مجلس الأمن! لكأن (القانون الدولي والعدالة الدولية والشرعية الدولية) كلها معا خاضعة لسطوة «الويلات المتحدة» التي أشبعت العالم جورا وظلما وهي تقود النظام الدولي! وبين ضغط «الفيتو» وضغط (التطلع الشعبي العالمي) للعدالة وإدانة الكيان الصهيوني لم يكن بيد محكمة العدل الدولية إلا رفع البطاقة الصفراء وليس الحمراء ضد الكيان الصهيوني! في مباراة المجازر التي أقامها ويقيمها كل يوم في غزة ضد كل ما هو متعارف عليه (إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا)!
هي الحركة المحسوبة لأعلى جهة قانونية في العالم، أثمرت في النهاية عدالة جزئية أو منقوصة! أعطت المحكمة فيها أقصى ما بإمكانها من موقف في ظل النظام الدولي المتهافت الذي تحول فيه «القانون الدولي» إلى مجرد ساحة لعب للأجندات الاستعمارية وسطوتها! وفي هذا الملعب لا مكان حقيقي لضمير الشعوب التي تبحث عن العدالة ويتم إجبارها على قبول (بقية عدالة) تطل من نافذة (الوحشية العولمية) التي تصيغ حياة الدول والشعوب في ظل رؤيتها ومنظورها اللاأخلاقي واللاإنساني!
كل التراكمات التي انكشفت أمام العالم وتم التعتيم عليها بما يتعلق بالقضية الفلسطينية عبر 75 عاما، تضع شعوب العالم أمام المطالبة بالتحرر من قبضة هذا (الاهتراء العالمي) الذي أداره ولا يزال يديره الغرب، رغم المتغيرات العالمية وميزان القوى الدولية الجديد والبحث المشروع عن العدالة والقانون والمبادئ الدولية، التي ترسم خارطة العلاقات الدولية وخارطة المؤسسات الأممية على أسس جديدة، يتحرر فيها النظام العالمي من العبث والتلاعب وسطوة (الدولة العالمية العميقة) التي تدير الغرب وعالم اليوم حسب أجنداتها الاستعمارية وأهوائها الجشعة! حتى أصبح البحث العالمي اليوم هو عن (بقية عدالة) وليس عن العدالة كما يجب أن تكون كبوصلة توجه العالم!
عن أخبار الخليج