ما حصل في السابع من أكتوبر أحدث تغييراً جذرياً في ميزان القوى الخاص بإسرائيل، أثبت الحدث للقاصي والداني أن إسرائيل دولة قابلة للهزيمة وأن مجموعة مقاتلين وبأسلحة شبه بدائية استطاعوا تحطيم الأسطورة التي بناها الجيش الإسرائيلي على مدى 75 عاماً، انتصر خلالها في كل حروبه إلا هذه الحرب فهي هزيمة إسرائيلية بطعم الانتصار عبر القتل والتدمير الذي مورس ضد غزة وأهلها.
إن إعادة ترميم صورة إسرائيل ومكانتها لا يمكن أن تتم بتنمية القدرات العسكرية، لقد منح السابع من أكتوبر الغرب ورأس حربته إسرائيل فرصةً تاريخيةً لإقناع جمهور اليمين واليمين المتطرف بأن الحل العسكري غير ممكن، وأن ضمان بقاء إسرائيل يقتضي التخلي عن طبيعتها العنصرية وإنهاء احتلالها للأراضي العربية بما فيها أراضي الدولة الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه وعلى رأسها حقة في تقرير مصيره.
كما أن على إسرائيل أن تبرهن أنها ستكون عامل استقرار بدل عامل زعزعة لعبته في المنطقة طوال عقود وأنها ستتحول إلى عامل إيجابي في بناء شرق أوسط جديد خالي من الاحتلالات والعنصرية تتساوى فيه كل الدول وتتنافس على خدمة السلم والاستقرار الدوليين.
كل ما سلف كان ممكنا لو أن الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في أوروبا وأمريكا وأستراليا سلكوا سلوكاً مغايراً لما هو عليه الحال عبر ردع إسرائيل عن ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، عندها كانوا سيسهمون في حماية إسرائيل من بعض قادتها المجانين ومن خصومها في المحيط.
تخيلوا لو أن بايدن استدعى نتنياهو إلى واشنطن ولو أن بلينكن أتى لإسرائيل كوزير خارجية قوة عظمى وليس كيهودي ،تخيلوا لو أرسلت الولايات المتحدة وعبر الأمم المتحدة ألفي رجل من ذوي القبعات الزرقاء لحماية الشعب الفلسطيني بدل إرسال بوارجها وحاملات طائراتها محملة بما طاب ولذ من القنابل الذكية حيناً والغبية دائماً، تخيلوا لو أن وساطة الولايات المتحدة عبر قطر ومصر ودول أخرى تعدت إنجاز هدنة استمرت عدة أيام إلى إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار لتحقيق الأهداف الممكنة للطرفين الإسرائيلي و الفلسطيني، مثل إنجاز اتفاق شامل لتحرير الرهائن والأسرى و إنجاز تجسيد الدولة الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، إنجاز اتفاق سلام ينهي الصراع عبر إعادة الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وفي جنوب لبنان وصولاً إلى دمج الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية في الإقليم بما يضمن علاقات طبيعية بين كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
تخيلوا لو أن مليارات الدولارات التي صرفت في هذه الحرب والمليارات المطلوبة لإعادة الإعمار وجبر الضرر، استخدمت لتطوير المنطقة. أما وأن ما حصل ويحصل هو العكس تماما، فمنعت الولايات المتحدة المجتمع الدولي من وضع حد لسفك الدماء عبر الفيتو كما مارست ضغوطاً على محكمة العدل الدولية لثنيها عن المطالبة بوقف إطلاق النار ولم تكتفي بذلك بل ذهبت بعيداً في استهداف دول أخرى مما يهدد بتوسع رقعة الحرب والتي سيكون الخاسر الأكبر فيها الغرب وإسرائيل. ولم تكتفي بذلك بل ذهبت إلى تبني رواية لفقها نتنياهو ودون أي تحقيق محايد دفعتها ودول أخرى إلى تجميد المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
لقد سبق وتبنى الغرب رواية تقطيع الرؤوس التي اخترعها نتنياهو ليضطروا إلى التراجع في اليوم التالي، دولة عظمى تؤكد الرواية الإسرائيلية المزيفة بما يخص قرارات محكمة العدل الدولية على الرغم مما هو مثبت بالدليل عبر تصريحات القادة الإسرائيليين ورجال الدين وما يجري على الأرض من انتهاك لكل القوانين والأعراف الدولية، هذه المواقف الغربية لا يمكن فهمها غير أنها تدفع إسرائيل إلى الانتحار سواء بقصد أم بغيره. إن المجتمع الإسرائيلي وأكثر من أي وقت مضى وقبل فوات الأوان مطالب باختيار قيادة تنقذ كيانه من قادته عبر انفاذ كل ما سلف.