بين "يوتوبيا" و"ديستوبيا" الدولة الفلسطينية

منذ ما يزيد على قرن من الزمن ونحن ابناء الشعب الفلسطيني لم نحلم فقط بدولتنا كمكان فاضل ، وانما سعينا بكل أشكال الكفاح الوطني التحرري حتى اليوم للوصول إلى حقنا التاريخي والسياسي الى هذا المكان نسعى فيه للحياة في وطن حُر لم يتحقق لنا عبر كل تلك العقود الماضية ، وطن تتحقق به قيم الأستقلال والحرية والكرامة . أن كان ذلك في شكل ومضمون دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب في أرض فلسطين التاريخية التي ارتبطت بحكايتنا وتراثنا الثقافي والحضاري ، أو بدولة فلسطينية ذات سيادة على ما تبقى من هذا التراب الوطني الذي استكملت إسرائيل احتلالها له عام ١٩٦٧ بهدف استكمال وتنفيذ مشروعها الكولنيالي الأحلالي وفق اهداف الحركة الصهيونية .
جرائم متعددة بكل اشكالها ومعانيها نُفذت منذ ما قبل جريمة النكبة وصولا إلى عدوان الإبادة اليوم بحق كل ابناء شعبنا ومحاولات التهجير القسري والقضاء على فكر وثقافة مقاومة الأحتلال والأستعمار والهمجية الأميركية في فلسطين وكل المنطقة بما يخدم رؤيتهم الإستراتيجية المشتركة التي أنشأت الفكر الصهيوني في هذا العالم .
فلم يكن أمام هؤلاء سوى تحويل "يوتوبيا" حلمنا الجميل الذي يعيش به الجميع بأمن وسلام واستقرار وازدهار، إلى "ديستوبيا" المكان الخبيث بواقعه المؤلم الأجرامي الظلامي الذي يصرون على استمراره استهدافا لوجودنا الطبيعي وحقنا في تقرير المصير على أرضنا.
انهاء الأحتلال أولاً ،،
ففي ظلال ما يجري اليوم ، اطلقت تصريحات أميركية بريطانية بل وغربية متسارعة حول حل الدولتين أو عن الدولة الفلسطينية، دون تحديد لشكلها أو مضمونها او حدودها، أو حتى دون الإشارة إلى ضرورة انهاء الأحتلال والأستيطان حتى يتوفر الأساس الموضوعي لقيام الدولة التي يتحدثون عنها .
ورغم ما قد يرى فيه البعض حول ذلك خطوة إلى الأمام ، الا أنني أرى به محاولة تخدم الإدارة الاميركية في معركة الانتخابات القادمة بالولايات المتحدة من جهة بعد المتغيرات الجارية هنالك بالرأي العام وتدني نسبة نجاح بايدن والضغوطات التي تحيط به من كل جانب لوقف الابادة الجماعية وايجاد مسار سياسي جاد . كما ان ذلك يشكل محاولة لفظية لإرضاء حلفائهم بالمنطقة وتشكيل نوع من الضغط على نتنياهو الذي يقع اليوم بين فكي كماشة غانتس ولابيد من جهة ، وبن غفير وسموتريتش من جهة اخرى امام محاولاته الذاتية وبما يمثله لأكل الكعكة والاحتفاظ بها في آن واحد ، في شأن صفقة الأسرى ووقف العدوان وفق مطالب المقاومة وما يعانيه هو من ضغط شعبي بالخصوص مقابل اصراره على ان يبقى ملكاً لأسرائيل يمنع إقامة دولتنا ووصولنا إلى حقوقنا التاريخية السياسية وابقائها في إطار الحلول الأمنية والاقتصادية الى حدود ما.
من جهة اخرى فقد اتخذ مجلس النواب الأميركي امس الذي يشكل جزءا من الكونغرس إلى جانب مجلس شيوخهم ، قرارا بما يقارب الإجماع على منع من له علاقة بمنظمة التحرير من دخول اراضي الولايات المتحدة اضافة الى قرار البيت الابيض بخصوص وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وما يعني ذلك من معاني . وهو ما يشكل تصرفا عدائيا وأداة ضغط على الجانب الفلسطيني إضافة لعدم إلغاء ربط المنظمة بالارهاب واستمرار إغلاق مكتبنا التمثيلي في واشنطن ، وذلك بهدف الضغط للتجاوب مع الرؤية الأميركية المطروحة الآن في شأن ما يطلقون عليه جزافا ترتيبات "اليوم التالي لغزة"، واستحقاقات مطالبهم الخبيثة المتعلقة بقيادة متجددة للسلطة الوطنية والتي يراد منها باطلاً تحقق لهم رغباتهم وادواتهم .
لا يمكن التغير بأدوات قديمة وببرنامج متكرر ،،
ما كان يجب ان نُعطي اي فرصة لغيرنا ليحدثنا او يطلب منا اجراء تغيرات وتجديدات ، كما يجري الآن وفق مطالب الأميركان والأوروبيين والتي يُراد منها باطلاً ، رغم ان الأمر هو حق لشعبنا ليتمكن من مواجهة وافشال إيجاد قيادة "متجددة " تتفق مع رؤية الأميركان السياسية بالمنطقة وتسهل لها تنفيذها . لقد كان التمسك برؤية امتدت على مدار عقود دون مراجعة حقيقية وتغيرات مؤسساتية منهجية هي احدى الاخفاقات التي ادت بهؤلاء لمحاولة فرض مطالبهم . ان محاولات الهروب للأمام من ضرورات التجديد الجوهري ليمس منهج العمل والاداء وليس الوجوه فقط ، ومن ضرورة استمرار تعريف دور منظمة التحرير الفلسطينية كاطار جامع وبيت معنوي وعنوان تمثيلي وفق ما حققته بفضل كفاح شعبنا الطويل للكل الفلسطيني كحركة تحرر وطني ومن استحقاقات ديمقراطية في حياة شعبنا . هذا الهروب قد أدى بجزء منا للوصول إلى حالة شبه الشلل بالأداء والعطاء المطلوب بل وبتكرار الذات ، وأدى من جهة أخرى لإعطاء مبررات لتلك المطالب الآن . إن تصويب اوضاع المنظمة والسلطة الوطنية و"فتح" اولاً هي مصلحة وطنية بما يعني من مدى تأثير استنهاضها على اوضاع ومكونات كل الحركة الوطنية الفلسطينية وشحذ هممها من أجل استكمال الإنجازات ومسار التحرر الوطني الديمقراطي ومن خلال دور اكثر اتساعا للمستقلين الوطنيين وخاصة الفئات الشبابية منهم التي تشكل أغلبية تعداد مجتمعنا .
لماذا مروان ورفاقه ؟ ،،
تُشكل قامته وذكائه الفطري والسياسي والتنظيمي الذي امتلكه عبر مسيرة نضاله ، ومكانته بين ابناء شعبنا كما والدولية ، اسبابا تجعله قيادياً قادرا على جمع شمل "فتح" والارتقاء بالعلاقات الوطنية البينية لانهاء ملف الانقسام خاصة مع بروز توجهات ايجابية جديدة اليوم لدى "حماس" تجاه البرنامج الوطني لمنظمة التحرير ومكانتها التمثيلية . أن مروان يمتلك رؤية وبرنامجا يحمله الكثير من ابناء شعبنا خاصة في فهم متطلبات مرحلة التحرر الوطني واستحقاقات الوحدة الوطنية والدفع بشروط السلام مع الإسرائيليين الى الامام في حال توفر الطرف الآخر بعد هذه التحولات الجارية اليوم على مستوى العالم والاقليم وبداخل دولة الاحتلال بعد ان اصبح احتلالهم مكلفا بفعل المقاومة بكافة اشكالها بغزة والضفة والقدس ، وتنامي عزلتهم على اثر نهوض شعوب العالم ووقوفهم في قفص العدالة الدولية في تهم الابرتهايد والابادة الجماعية وغيرها . مروان ورفاقه من الأسرى مثل احمد سعدات وعبد الله البرغوثي وغيرهما والذين ننتظر عناقهم للحرية قريبا في حال خضع الأحتلال لشروط المقاومة بالصفقة المطروحة على طاولة المفاوضات واهمها وقف العدوان الابادي المجرم فورا لرفع جزء من معاناة اهلنا المؤلمة بعد اكثر من مئة يوم . كذلك فانهم يشكلون بانفسهم ومكانتهم أدوات لتنفيذ ما جاء في وثيقة الأسرى الصادرة عنهم والتي طرحت مخارج ممكنة في حينه لإنهاء الانقسام الأسود الذي اضر بمكانتنا ومصالحنا ، كما وعالجت جوانب عدة من مقتضيات هذا الزمن لتمكين ديمقراطية وصمود شعبنا على قاعدة الاختلاف لكن في إطار الوحدة وصولاً للحرية والاستقلال الوطني .
فوحدتنا الجامعة اليوم هي احدى اهم الاوراق التي يمتلكها شعبنا في مواجهة أعداء شعبنا وهي من اهم الأدوات التي نستطيع استثمارها سياسيا امام العالم خاصة بعد ان صمدت المقاومة بالمفهوم النسبي امام احد اكبر جيوش العالم بعد ان تم زلزلته وتكبيده خسائر غير متوقعة رغم الفظائع المهولة والجرائم بحق شعبنا في القطاع، هذا بالإضافة إلى ورقة الأسرى الاسرائيليين الذين وقعوا بأيدي المقاومة ، فلنُحسن الاداء والتكامل بين أشكال العمل المقاوم والسياسي لانهاء معاناة اهلنا في غزة اولاً .

كلمات مفتاحية::
Loading...