بقلم: يوآف ليمور
في منتصف الأسبوع فوجئت «حماس» بدخول الجيش الإسرائيلي مرة أخرى إلى شمال القطاع. فبعد ان اعتقدت بأن هذا القسم من الحرب بات خلفها، كشفت قوات مشاة (لواء الناحل) ومدرعات (لواء 401) في حي صبرا والرمال وفي اطراف الشاطئ أيضا.
هذا جزء من المرحلة الثالثة من الحرب الذي يغير فيه الجيش شكل عمله وينتقل من معركة مكثفة بقوات غفيرة، الى معركة اكثر تركيزا ضد أهداف محددة. تتاح هذه المرحلة بعد أن انهك الجيش قبلها ألوية وكتائب حماس، وترك على الأرض قوات اصغر واقل تنظيما، يمكن التصدي لها حتى دون رهن نصف الجيش في صالح كل عملية.
هذه العمليات ستستمر فترات زمنية متغيرة. أحيانا ليلة او يوما، أحيانا بضعة أيام. هذا سيتقرر حسب الهدف – في الغالب البنى التحتية لحماس التي يتطلب الأمر ضربها. يخطط الجيش للعمل في هذه الصيغة في المستقبل المنظور، اشهرا وربما سنين. الدخول، الضرب والخروج. الى أن يقوم في غزة حكم جديد، اكثر نجاعة واقل عداء، وحتى ذلك الحين ستتطلع إسرائيل لأن تبقي لنفسها حرية عمل أمني اقصى مثلما تفعل في الضفة منذ حملة السور الواقي.
هذه العملية المحدودة في شمالي القطاع تجري بالتوازي مع المعركة الأكثر كثافة في الجنوب. يكاد الجيش الإسرائيلي ينهي الضربة للواء مدينة خان يونس بأربع كتائبه. فلوله بقيت فاعلة في مخيم اللاجئين وفي غربي المدينة وفي جنوبها، وان كانت نجاعتها محدودة. الحراك المكثف للمدنيين من المدينة (نحو 150 الفا من سكانها نزحوا من اصل نحو ربع مليون) يشهد على أنهم لا يؤمنون بان حماس قادرة على حمايتهم. الانتقاد الذي اطلقه بعضهم – بوجه مكشوف، في وسائل الاعلام – يدل على ان يأسهم يفوق عندهم خوفهم.
كما ان الجيش الاسرائيلي تباهى هذا الأسبوع بانه قتل مئات من نشطاء حماس واسر مئات آخرين نقلوا الى التحقيق. كما أنه دمر بنى تحتية أرضية عديدة وان كانت القاعدة السارية هنا أيضا هي ليست ما دمر بل ما تبقى. في هذا الجانب ينبغي الاعتراف – الحرب تجري ببطء. ببطء شديد. معظم البنى التحت أرضية لا تزال فاعلة. ونسبة كبيرة من القوة المقاتلة لحماس لم تصب باذى، او أصيبت جزئيا فقط وانتقلت الى «شكل» قتالي آخر، حرب العصابات.
حيال الأهداف الثلاثة المعلنة للحرب - إعادة المخطوفين الى الديار، ضرب قيادة حماس وتدمير بنى القيادة والتحكم فيها – نجح الجيش في تحقيق احدها، الثالث، وحتى هذا بشكل محدود. الهدف الأول، المخطوفون، لا يزال بعيدا؛ مع ان الاتصالات تجري كل الوقت لكن القرارات الصعبة لا تزال امامنا. الصفقة المقترحة ستكون عسيرة على الهضم من حيث عدد السجناء الذين ستحررهم إسرائيل، مدة وقف النار واساسا – حقيقة ان بعدها أيضا سيبقى معظم المخطوفين في غزة، وذلك دون الدخول الى الدوامة السياسية التي ستخلقها الصفقة على خلفية تهديدات وزراء وأحزاب للانسحاب من الائتلاف.
لقد أوضح الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع أيضا بانه سيعرف كيف يوقف القتال اذا ما تطلب منه ذلك وبناء عليه – ان يستأنفه أيضا. كان هذا هو جوابه في تشرين الثاني أيضا حين تحققت الصفقة السابقة لتحرير المخطوفين. في حينه مثلما هو اليوم أيد الجيش الصفقة لعلمه ان لا سبيل فاعلا آخر لضمان عودة المخطوفين احياء الى الديار. في حينه مثلما هو اليوم، أوضح أيضا بانه سيكون لوقف النار – وبالتأكيد اذا كان طويلاً – ستكون أثمان. وأساساً في قدرة الترميم العسكري لحماس وتأجيل المعركة المخططة في رفح.
الهدف الثاني محبط لآمال إسرائيل جدا. فقد اعترف مصدر رفيع المستوى هذا الأسبوع بانه كان مقتنعا في هذا الوقت، بعد أربعة اشهر في الحرب، بان إسرائيل ستصفي اثنين – ثلاثة على الأقل من مسؤولي المنظمة. اما عمليا فهي لم تقتل أيا منهم. السنوار، ضيف ومروان عيسى وبضعة مسؤولين كبار آخرين يواصلون العمل وقيادة المنظمة، حتى وان كان اصعب عليهم بسبب مشاكل الاتصال والسرية - حكمهم بقي غير مضعضع. صحيح أن إسرائيل قتلت عشرات القادة في المستويات الوسطى من قيادات الكتائب والسرايا لكن الضربة لمن هم اكبر منهم صغيرة جدا وتدل على انه في السباق الذي اداره الطرفان عشية الحرب – حماس كي تعد أماكن اختباء وإسرائيل كي تعثر عليها وتستهدفها كانت يد الأولى هي الأعلى بوضوح.
قيادة حماس سيعثر عليها في النهاية. هذا يمكن ان يحصل اليوم أو بعد شهر او بعد سنة. كونها أحاطت نفسها بالمخطوفين فان القرارات في كيفية العمل سترافقها معضلات أخلاقية وجماهيرية غير بسيطة. القيادة والجمهور سيحتاجان الى أعصاب من حديد. الجمهور اثبت منذ الآن بانه ناضج بما يكفي ليواجه الواقع الصعب الذي فرض عليه. اما القيادة بالمقابل فتواصل الغرق في الشقاق السياسي ومن شأنها ان تفقد الشرعية لقراراتها. كل قرار، من صفقة وحتى عملية ستكلف حياة مخطوفين.
لا يوجد قتال دون مساعدات
في هذا الواقع الصعب كانت هذا الأسبوع نقطة ضوء واحدة: قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعدم اصدار امر احترازي لوقف القتال، وعمليا اعطى لإسرائيل شرعية لمواصلة المعركة. النقاش المبدئي في دعوى جنوب افريقيا الهاذية بالابادة الجماعية في غزة وان كانت لم تحسم قانونيا بعد، لكن إسرائيل حررت لمواصلة طريقها بكل معنى الكلمة حتى وان كانت دعيت لان تحرص اكثر على الشؤون الإنسانية لسكان غزة وعلى لسان منتخبيها.
هاتان المسألتان هامتان لمواصلة الحرب. الأولى لمنح إسرائيل مزيدا من الوقت والشرعية حتى تهزم حماس. الادعاءات والتظاهرات ضد ادخال المساعدات الى غزة مفهومة، لكن بدون مساعدات لن يكون قتال. هذا هو جزء من الصفقة مع الأميركيين وخلاصتها – دقيق ووقود مقابل قذائف وفيتو في الأمم المتحدة. في واشنطن يرون المعطيات – نحو 30 الف فلسطيني قتيل و نحو 65 الف جريح ونحو 1.4 مليون لاجئ يتجمعون الآن أساساً في منطقة رفح – ويطلبون من إسرائيل ان تتخذ الخطوات المناسبة. الحكومة تتفهم وتقر وعلى عادتها تتلعثم حين يصل هذا الى الحاجة لآن تقول للجمهور الإسرائيلي الحقيقة.
ما يقودنا الى المسألة الثانية. كلما مرت الأيام، يحرر الكثير من الوزراء أنفسهم من قيود الحرب والوحدة ويعودون الى السياسة القديمة والسيئة. هذا واضح في كل زاوية، في كل خطاب، في كل زيارة. قلة هم الذين يتسامون ويرون مصلحة الجماعة، المسؤولية الوطنية، الفرصة التي لا تتكرر التي تلقيناها كي ننهض من اللظى اقوى واكثر وحدة لسوء الحظ كثيرون جداً لا يفهمون هذا. يواصلون ملء البركة بالماء ومن شأنهم ان يغرقونا جميعاً فيها.
عن إسرائيل اليوم