الحلقة الأولى
ننشر في مسار كتاب (الإنجيليون وترامب ونهاية الخرافة) للكاتب رجا طلب الصادر في ابريل 2021 على حلقات وفيما يلي نص الحلقة الأولى:
مقدمة:
لم يكن في ذهني على الإطلاق أن أكرس مشروع هذا الكتاب للحديث عن شخصية مثل شخصية دونالد ترامب، هذه الشخصية المريبة والمثيرة للجدل والغريبة الأطوار، التي قفزت وبدون مقدمات إلى واجهة مسرح الأحداث في أمريكا والعالم بعد أن أصبح هذا "الجاهل في السياسة" و"الشره" في عالم الأعمال وتجارة العقارات رئيساً للولايات المتحدة.
عندما أفاق العالم على نبأ فوز ترامب بموقع رئيس الجمهورية الأميركية فإن الكثير من دوائر صنع القرار في العالم أصابها الغثيان بعد الرعب والخوف من هذه الشخصية وما يمكن أن تقوم به من أعمال وأفعال اعتباطية وقرارات ستشكل تهديداً للأمن والسلم العالميين، وحاول الكثير من زعماء العالم التعامل مع هذا الخبر في الساعات الأولى على أنه نكتة سمجة لا يصلح التعامل معها بجدية بأي حال من الأحوال.
يقول مايكل وولف في كتابه الشهير " النار والغضب" والذي فضح فيه ترامب وكشف خلفيته العقلية والنفسية وتحديداً فيما يخص طموحه في رئاسة أمريكا: (أن حملة ترامب الانتخابية ومستشاريه، وهو شخصياً لم يتوقّعوا النجاح والوصول للحكم، لكنهم حسبوا خطواتهم بدقة من أجل الخسارة)، ويروي وولف عن مساعد حملة ترامب السابق "سام نونبرغ" وسؤاله له: لماذا تريد أن تصبح رئيساً للجمهورية؟ فكانت إجابة دونالد ترامب هي: "سأصبح أكثر الرجال شهرةً في العالم".
فهذه الإجابة بحد ذاتها تعكس العقلية "السطحية" لمن تولى زمام أمور أعظم دولة في العالم، وتعكس في الوقت ذاته عقليته المؤمنة بالمقامرة، ويعلّق وولف على ترشح دونالد ترامب للرئاسة قائلاً: إن الترشح للرئاسة في حالة ترامب هي المكسب الحقيقي، حتى الخسارة أيضاً تعد مكسباً، ففي الحالتين سيكتسب تلك الشهرة التي سعى إليها، إذ عبر ترامب لصديقه إيلز أنه سيخرج من تلك الحملة بفرصٍ لا توصف، وشهرة واسعة لعلامته التجارية، وأضاف ترامب: "أنا لا أفكر في الخسارة، لأن الخسارة في حد ذاتها مكسب، كل هذا أكبر مما حلمتُ به يومًا ما".
ويضيف وولف في تعليقه على أحلام ترامب الرئاسية: "إن الخسارة ستكون النتيجة الخالية من المتاعب، وستسعد الجميع؛ إذ سيصبح ترامب أشهر رجلٍ في العالم كما تمنى، وشهيداً لهيلاري كلينتون، أما ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، فسيتحولان من أثرياء مجهولين، إلى مشاهير عالميين وسفراء للعلامات التجارية.
تحقق ما كان لا يتوقعه ترامب ولا حتى أقرب المقربين منه ولا العالم بأسره وأصبح دونالد ترامب الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة وهو الرجل الذي لم يسبق له أن تولى أي منصب عسكري أو سياسي أو أي منصب رسمي في حياته قبل ذلك.
من هنا ينطلق السؤال من هي القوة أو مراكز القوى في أمريكا والعالم التي وقفت وراء ظاهرة دونالد ترامب؟؟
وما هي غايتها من وراء تنصيب شخصية كشخصية ترامب رئيساً لأكبر وأقوى دولة في العالم؟
وما هو مشروعها الحقيقي من وراء تنصيب هذه الشخصية؟
أسئلة كثيرة طاردت ومازالت تطارد ظاهرة ترامب، وجلّها يبحث عن الهدف الأكبر من وراء صناعته رئيساً لأمريكا.
شخصية ترامب وخلفياتها التربوية والثقافية
بسبب طبيعة شخصية ترامب وصعوده المفاجئ من "المجهول السياسي" إلى حالة "العملقة السياسية" فعلى الباحث مثلي بذل جهد كبير من أجل استجماع الصورة الكاملة لترامب وشخصيته والتي من المحتمل أن لا أتمكن من جمعها أو رسمها بالدقة المطلوبة.
دونالد ترامب رجل أعمال وتاجر عقارات، ولد عام 1946 وهو الإبن الرابع لأحد أشهر أقطاب تجارة العقارات الأمريكيين، فريد ترامب وهو ذو أصول ألمانية.
ولد ترامب لأم تنحدر أصولها من جزيرة ليوس شمال إسكتلندا، وهاجرت إلى الولايات المتحدة في نهاية الثلاثينيات.
ورغم ثراء الأسرة، كان متوقعا من ترامب أن يعمل في وظيفة متواضعة في شركة والده، وأرسله والده إلى المدرسة العسكرية ولم يتعد سنه الثالثة عشرة، بعدما أظهر سلوكاً مشاغباً في المدرسة.
ودرس وتخرج في كلية وارلتون (جامعة بنسلفينيا) التي تخرج منها رجال أعمال معروفون.
أصبح ترامب المرشح لخلافة والده في إدارة شركاته، بعد أن اختار شقيقه الأكبر أن يكون طياراً.
لكن شقيقه الأكبر مات بسبب الافراط في تناول الكحول ولم يتجاوز الـ43 عاما، وكان ذلك سبباً في إقلاع ترامب عن التدخين والكحول طوال حياته.
يقول ترامب أنه تمكن من ولوج عالم العقارات بفضل قرض "صغير" يبلغ مليون دولار من والده.. وساعد ترامب والده في إدارة أملاكه العقارية المنتشرة في سائر أحياء نيويورك وسيطر على الشركة نهائياً في عام 1971.
وتوفي والده عام 1999، وقال ترامب حينئذ "كان والدي مصدر إلهام بالنسبة لي."
وتزوج ترامب ثلاث مرات، وكانت العداءة وعارضة الأزياء التشيكية إيفانا تزيلينيكوفا أشهر زوجاته. أثمر زواجه الاول 3 أبناء هم دونالد الأصغر وايفانكا وإريك. وانتهت هذه الزيجة بالطلاق في عام 1990.
طموحه السياسي
أبدى ترامب طموحه السياسي في الوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية منذ عام 1987، ودخل السباق الرئاسي لأول مرة عام 2000 مرشحا عن حزب صغير.
وبعد 2008 أصبح ترامب أشهر المتحدثين في حركة "بيرثر" التي جادلت في ذلك الوقت حول مكان ولادة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتساءلت ما إن كان أوباما ولد في الولايات المتحدة أم في الخارج.
ودخل ترامب ميدان تجارة العقارات بعد أن اقترض مليون دولار من والده، وبعدها دخل شريكا في إدارة ثروات والده التي كانت أغلبها عقارات ومشاريع بناء في نيويورك، ثم أصبح مديراً عاماً للشركة التي أطلق عليها اسم منظمة ترامب (ترام أورغانيزايشن) عام 1971.
وتخصص ترامب في بناء ناطحات السحاب والبنايات الكبرى والفنادق الفخمة ونوادي القمار، وأشهر منجزاته ناطحة سحاب في مانهاتن مؤلفة من 68 طابقا.
ونجح بين عامي 1996 و2015 في بناء امبراطورية جديدة في عالم برامج الترفيه التلفزيوني وكان أشهر البرامج الناجحة لترامب هو برنامج "أبرانتيس" (المتدرب) على شبكة إن بي سي، وبرنامج مسابقة "ملكة جمال الكون" ومسابقة "ملكة جمال فتيات أمريكا"، كما يمتلك سلسلة متاجر ترامب التي تبيع مختلف أنواع السلع، وتقدر مجلة فوربس المتخصصة في أخبار المشاهير والمال والأعمال ثروة ترامب بنحو ثلاثة مليارات دولار.
ما هي حركة بيرثر؟؟
بكل تأكيد أنك قد تساءلت عزيزي القارئ عن حركة "بيرثر" التي كان ترامب ناطقاً باسمهاً، وهو تساؤل مهم وفي محله.
حركة "بيرثر" من الناحية العملية ليست تنظيماً حركياً سياسياً بالمعنى الحرفي للمصطلح، بل هي عصبة فكرية تمثل العنصريين الذين يميزون بين الأمريكي الملون الذي ولد في أمريكا وبين الأمريكي الأبيض بغض النظر عن مكان مولده، وقد كان دونالد ترامب من أوائل مؤسسي هذا التيار و ترشح للانتخابات الاميركية عام 2016 وهو متمسك بهذه القضية ومؤمن بها، وأخذ يشكك في "مواطنة وأصول " باراك اوباما، "أول رئيس من أصل إفريقي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية" في خطوة كان الهدف منها إضعاف هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية المنافسة له والتي ترشحت عن الحزب الديمقراطي وكانت وزيرة للخارجية في إدارة اوباما.
كان هذا التشكيك بمكان ولادة اوباما من قبل ترامب من أكبر الدلائل على عنصريته وعدم إيمانه "بالعدالة الأمريكية والمساواة التي ينص عليها دستور الولايات المتحدة، وفضح مكنونه النفسي والأخلاقي، وهو ما تم استثماره لاحقاً من جماعات الضغط الصهيونية والجماعات الدينية المسيحية المرتبطة بها، وهو فصل سنأتي على ذكره لاحقاً.
وصف جوناثان زيمر مان أستاذ التاريخ بجامعة نيويورك ما يطلق عليها "حركة بيرثر" بأنها لعبة قذرة للحزب الجمهوري ضد منافسيه حسب مقال له نشر في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور بتاريخ 28 ابريل عام 2011.
ويقول: في هذه المسألة على وجه التحديد يحتاج الحزب "الجمهوري" أن يعود إلى التاريخ كي يستمد منه الدروس، وخصوصاً إلى سيرة السياسي الصلد باري جولد ووتر(جمهوري)، الذي تصدى لجماعة في زمنه تعادل الـ"بيرثر الآن" ، كان اسم هذه الجماعة "بيرشر" (لاحظ التقارب في النطق) وكانت هذه الجماعة تضم أفراداً من المؤمنين بنظرية المؤامرة، وكانوا يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور كان شيوعياً أخفى انتماءه الفكري وأن عملية إضافة الفلورايد إلى ماء الشرب التي كانت تتم في ذلك الوقت ليست في جوهرها سوى "مؤامرة حمراء" أي مؤامرة شيوعية ضد المواطن الأمريكي.
ويضيف قائلا: في البداية، قام جولد ووتر، وهو في الأساس من مناهضي الشيوعية المتعصبين، بالترحيب بـالـ"بيرشر" في حظيرة "الجمهوريين" في بداية الأمر، وبعد ذلك بفترة قصيرة، قام بشجبهم علناً بعد أن فنّد اعتقاداتهم، رافضاً أن يلوث اسمه أو قضيته بخطاب عبارة عن هراء يعاني قائلوه (حركة البيرش) من البارانويا.
ويختم زيمرمان مقاله بخلاصة مهمة للغاية قائلاً: (فالحاجة تدعو إلى قيام شخص ما من حزب "ترامب" بالوقوف الآن تحديداً، ليؤكد هذه الحقيقة البسيطة. الفكرة التي تتبناها حركة الـ"بيرثر" ليست سوى محض وهم وضلال. وأن الحزب "الجمهوري" كلما أخّر ذلك اليوم الذي يجب أن يحاسب فيه تلك الحركة كلما زادت مسؤوليته عن ذلك الوهم والضلال.
فـ"الجمهوريون" يجب ألا يسمحوا أبداً لشخص يؤمن بوجود مؤامرة أمريكية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر الاقتراب من البيت الأبيض كما يجب عليهم ألا يسمحوا لأحد من حركة الـ"بيرثر" بذلك.