كُتّاب مسار

إنهم يعشقون فلسطين، تجربة عقد من الزمن باليونان... "الجزء الأول"

الجزء الأول

بداية لا بد من تهنئة أسرة تحرير موقع "مسار" والقائمين عليه على هذه الانطلاقة الإعلامية المبشرة لتقديم رؤية متجددة تساهم في صناعة الوعي الجمعي المتنور والفكر النقدي الإيجابي لتضيف نوعياُ لمسيرة كفاح شعبنا التي طالت نحو الحرية والاستقلال.

لقد تشرفت بطلب أخي وصديقي "أبا طارق" نبيل عمرو لكتابة بعض السطور لهذا العدد الأول من الموقع، ولأنني أحمل نفس الكنية مثله، فما كان علي سوى القبول بما اقترحه عليّ من عنوان لأكتب عنه بالعدد الأول حول فترة وجودي بين مؤسسات الدولة والشعب اليوناني لفترة قاربت العقد من الزمن في مهمة خدمة مصالح شعبي ووطني.

لقد كان هذا الواجب الوطني من التكليف مفاجأً لي، فلم يكن في حسابات مسيرة حياتي التي أمضيت معظمها بالوطن، حيث لم أكن دبلوماسياً محترفاً كما يجب أن يكون صاحب هذه المهمة وفق ما هو متبع بكافة الدول. لكننا أبناء شعب يبدو أننا نتعلم من التجربة وميدان العمل والعطاء وننطلق من واقع عدالة قضيتنا وانتمائنا لفلسطين، فنُخفق في بعض الأحيان ونحقق إنجازات في أحيان أخرى اعتمادا على الإنتماء والتجربة والمعرفة والإرادة الذاتية وعلى عوامل وظروف عدة أخرى من ضمنها بيئة المجتمع ومكونه الثقافي السياسي بالدولة المضيفة.

كنت أعتقد أنني ذاهب إلى مكان مختلف وغريب، لكني شعرت بما هو مناقض لهذا الشعور من الأيام الأولى لوصولي هنالك. لم يكن من الصعب أن تدرك سريعاً بأن هنالك شعباً محبٌ لنا وبيئة محفزة، وأن هنالك العديد من القيم ومكونات الثقافة المشتركة التي تجمعنا مع هذا الشعب الصديق، والذي شعرت بتميزه عن معظم الشعوب الأوروبية الغربية الأخرى. فلقد صدق رئيس الجمهورية اليونانية عندما استقبلني لتقديم أوراق اعتمادي عام 2013 حين قال لي "بأننا بالوقت الذي كان فيه الغرب يعتبركم ( أي نحن )  مجموعات إرهابية، فقد كنا نحن باليونان نتعاطى معكم كمناضلين من أجل حرية شعبكم ونقدم لكم الدعم الممكن.

لعدة أسباب كان وما زال جزء كبير من هذا الشعب الطيب يعتبر نفسه كمكون من حضارة الشرق وجزء من هويته الثقافية والسياسية، ولهذا فقد قال الرئيس حينها "عندما كان الغرب" كان يقصد أنهم ليسوا جزءً منه. هذا الشعب المحب للحياة بتواضع دون زخرفات وبهرجات وهو أقرب بمعظمه إلى تقاليد الريف القروي والساحل الجميل متنوع الطبيعة الطوبغرافية من الخلجان والجزر العديدة المتنوعة الشكل والطبيعة التي تراها كل يوم جديد تختلف فيه عن اليوم السابق، حيث عدد منها بات يشكل معبراً للأعداد المتزايدة من المهاجرين والفارين من ظروف الحرب إلى أوروبا ومنهم أعداد ليست بسيطة أتت من غزة منذ 2015.

 شعب تجمعنا معه مراحل متشابهة من التاريخ والكفاح من أجل الحرية والاستقلال، فقد خضعنا نحن وهم إلى القهر البشع للإمبراطورية العثمانية لمدة تقارب من النصف قرن وقد انتصروا هم بثورة استقلالهم عليها قبل مئتي عام عندما رفعوا شعار "الموت أو الحرية"، ومن ثم فقد خضعوا هم إلى الوجود البريطاني التي دخلت قواته إلى اليونان كطرف من الحلفاء بدل ما كان منتظراً من دخول الجيش السوفيتي في مرحلة الانتصار بالحرب العالمية الثانية ودحر الوحش النازي الذي قاتله الشعب اليوناني طيلة 4 سنوات ببسالة من خلال المقاومة الوطنية كما قاتل أيضاً الفاشيين الإيطاليين الذين حاولوا المرور من أراضيهم فرفضوا ذلك بكرامة. لقد تعرض الشعب اليوناني خلال تلك الفترة لمحارق النازيين في عدد كبير من القرى اليونانية التي كنت أشاركهم الذكرى السنوية لإحيائها في كل عام، والتي راح ضحيتها ما يقارب النصف مليون من اليونان الأرثوذكس غير اليهود، وصادف الاسبوع الماضي الذكرى 80 لمحرقة قرية كالافريتا التي أعدم بها النازيون ما يقارب من 1300 يوناني في ليلة واحدة، حيث تعد من أبشع جرائم النازية. واليونان يحرصون على إبقاء ذكرى من قُتل منهم بوجود متاحف الذاكرة التي تحظى باهتمامهم العالي، الشيء الذي أتمنى أن يكون لدينا مثيله في فلسطين. فلم يكن الهولوكست محتكراً على اليهود كما ادعت وما زالت الحركة الصهيونية. وبالمناسبة فإن كلمة هولوكست تأتي من أصل لغوي اغريقي هي الهولوكستم، أي الحرق والقتل الجماعي، الذي ينطبق على طبيعة جرائم الاحتلال بحقنا خاصة الجارية اليوم في غزة، فنتشابه نحن معهم.

لم تكن اليونان من ضمن دول أوروبا التي استعمرت شعوباً أخرى من جنوب العالم بتاريخها المعاصر بل عانت وكما ذكرت من توالي الاستعمار عليها وهذا جانب من المقاربات الأخرى بيننا، حيث الشعور بمعاني الكفاح والحرية ومعنى الانتصار للعدالة والحقوق.

وحتى اليوم ما زال الألمان يماطلون في دفع التعويضات لهم على إثر جرائم النازية بعكس ما أقدموا عليه مع إسرائيل، رغم انضمام اليونان للاتحاد الأوروبي الذي مع الوقت قد أفقدهم استقلاليتهم الاقتصادية وحتى السياسية من خلال شروط مذلة تتعلق بديون اليونان وسياسات الابتزاز، وفرض عليهم اشكالا من التبعية لسياسات بروكسل، التي أيضاً وعلى مر السنوات أفقدتهم قدراتهم من الانتاج الصناعي لتبقيهم في دائرة دول الاستهلاك والمديونية العالية لبنوك أوروبية يمتلك معظمها رأس المال اليهودي، حتى بنكهم المركزي.

 

لقراءة الجزء الثاني https://www.masar.ps/ar/Article/41

كلمات مفتاحية::
Loading...