منذ البداية وقفت الإدارة الأمريكية وراء إسرائيل في حربها الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وعملت في إطار ذلك على تحشيد الدول الغربية معها، في تقديمها الدعم اللامحدود لإسرائيل، سياسياً، ومالياً، وعسكرياً، بل إنها عملت على تغطية، وتبرير، الجرائم التي ارتكبها جيشها ضد الفلسطينيين، بتبنيها ادعاءاتها بأنها ضحية، مانحة إياها حق الدفاع عن النفس، في حين تنكرت لحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، وحتى لحقّهم في الحياة والعدالة والمساواة، وضمن ذلك تجاهلها المتعمد لتاريخ الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ولواقع أن إسرائيل هي دولة احتلال واستيطان، وإنها هي التي أطاحت بعملية التسوية، التي تم توقيعها في البيت الأبيض الأمريكي (1993)، جملة وتفصيلاً.
واللافت أن هذا الموقف حصل رغم الجفاء الحاصل بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، اليمينية المتطرفة، التي وصلت حد تمنع الرئيس الأمريكي عن دعوة نتنياهو للاجتماع به في البيت الأبيض، بسبب التذمر من محاولة اليمين القومي والديني تغيير النظام السياسي في إسرائيل، لصالح تغليب يهودية الدولة على طابعها الديمقراطي الليبرالي، بمعنى أن الخلاف الأمريكي ـ الإسرائيلي الحاصل لم يكن له علاقة بالفلسطينيين، وإن ذلك الأمر كان ضمن العائلة الواحدة، وهو لم يمنع إدارة بايدن من محض دعمها اللامحدود لإسرائيل لانتشالها من الأزمة التي وجدت نفسها عالقة فيها.
طبعا لا جديد في هذا الموقف، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت تعتبر إسرائيل، منذ إقامتها (1948) بمثابة الولاية الـ 51 فيها، او امتداداً لها في المنطقة، مع ميزة مضافة، بواقع ضمانها لأمنها الاستراتيجي ولتفوقها في المنطقة على محيطها، من النواحي العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، كما تجد فيه قاعدة ثابتة لها، وكركيزة من ركائز استراتيجيتها في الشرق الأوسط، التي من ضمنها، مع الحفاظ على أمن وتفوق إسرائيل: ضمان أمن الطاقة من المنابع إلى الممرات، والحؤول دون هيمنة طرف دولي آخر على الشرق الأوسط، والحفاظ على استقرار الأنظمة الصديقة.
يمكن تفسير ذلك الموقف بأن الإدارة الأمريكية رأت في هجوم حركة "حماس" (7/10)، الجريء والمباغت والقوي، والذي هز إسرائيل، كمجتمع وكجيش وكدولة، كونها حصل داخل الخط الأخضر، أي في إسرائيل ذاتها، باعتباره تجاوز خطير للخطوط الحمر، وتجرؤ على الدولة التي تعتبرها بمثابة الولاية الـ 51 فيها، على رغم أن تلك هي السابقة الأولى التي يحصل فيها هجوم بهذا الشكل والمستوى.
ومشكلة ذلك الهجوم، أيضا، أنه حصل في ظرف دولي وإقليمي متوتر على أكثر من صعيد، خصوصا، مع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي أضحت بمثابة صراع بين روسيا والدول الغربية، وأيضاً، مع التوتر في العلاقات الصينية ـ الأمريكية (والغربية عموماً)، وفي ظرف تحاول فيه إيران فرض أجندتها على مستوى الشرق الأوسط، عبر ميلشياتها التي تشتغل كأذرع إقليمية لها.
الأهم من كل ما تقدم أن الإدارة الأمريكية اعتبرت ذلك الهجوم كتحد لها، إذ رأت فيه محاولة لقطع المسار الإقليمي الذي تؤسس له منذ سنوات، لهندسة جديدة للشرق الأوسط، عبر انشاء شبكة علاقات إقليمية، سياسية وأمنية وعسكرية بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
كل تلك الأسباب تفسر دعم الولايات المتحدة المطلق لحكومة نتنياهو، وإصرارها على عدم وقف الحرب من دون إزاحة "حماس"، من المشهد، أو من السلطة، رغم حديثها المعلن عن ضرورة وجود مناطق آمنة، وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وطلبها من إسرائيل بعدم استهداف المدنيين الفلسطينيين، ورفضها معاودة إسرائيل لاحتلال غزة، أو تضييق مساحة غزة، أو التهجير القسري لفلسطينيي غزة، فهذه كلها ذر للرماد في العيون، ومجرد تغطية على سياساتها الحقيقية المتطابقة مع السياسة الحربية الإسرائيلية في معظم الأحوال.