مقالات مختارة

ماذا بعد قرارات محكمة العدل الدولية حول الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين؟

 

بقلم: فوزي أبو ذياب

أمرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة إسرائيل باتخاذ كل التدابير التي في وسعها لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة، لكنها لم تصدر أمرا بوقف إطلاق النار في القطاع كما طالبت جنوب افريقيا التي رفعت الدعوى الشهر الماضي، وطلبت منها فرض إجراءات طارئة لوقف القتال الذي أودى بحياة أكثر من 26 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.  لكن المحكمة التي أوضحت أن لديها صلاحية للحكم بإجراءات طارئة في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل، لا تمتلك وسائل لتنفيذ قراراتها غير القابلة للاستئناف، لكنها وفق خبراء دوليين تحتاج لعدة سنوات للبث في ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت إبادة جماعية أم لا. 

قالت المحكمة، خلال تلاوة الحكم، إنه يتعين على إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها إبادة جماعية واتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني، وذكرت أنها تنتظر من إسرائيل تقريراً عن الإجراءات التي اتخذتها خلال شهر من إصدار قراراتها. وقالت إن على "حماس الإفراج عن الأسرى فورا دون شروط". وأكدت إن بعض الحقوق على الأقل التي تسعى جنوب أفريقيا للحصول عليها في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد حرب إسرائيل على غزة منطقية، وإن "لبريتوريا الحق في رفع الدعوى ولا يمكن قبول طلب إسرائيل بردها". وقالت "الفلسطينيون مجموعة تحظى بالحماية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية"، وأن "هناك قضية يجب الاستماع إليها حول مدى حرمانهم من حقوقهم في حرب تسببت في ضرر إنساني جسيم". 

قرار المحكمة  الدولية الذي يمثّل انتكاسة قانونية لإسرائيل التي كانت تأمل في إسقاط القضية المرفوعة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تأسست بعد (الهولوكوست)، وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ب"الزائف والمشين" وقال في بيان له "أن ومجرد استعداد المحكمة لمناقشة موضوع ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية يشكل وصمة عار لن تمحوه أجيال". وفيما كررت وزارة الخارجية الأميركية القول إن اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة "لا أساس له"، وأن قرار محكمة العدل يؤكد حق إسرائيل في اتخاذ الإجراءات التي اتخذتها بعد هجمات 7 أكتوبر، رحبت عدد من الدول العربية والأوروبية بما فيها المملكة العربية السعودية بقرار المحكمة، ووصفته الرئاسة الفلسطينية بأنه "قرار تاريخي". 

ما إن أعلنت محكمة العدل الدولية قرارها حتى انهمك الكثير من القانونيين المتخصصين في قراءة وتفسير مضمونه ومندرجاته وانقسمت الأراء بين من عبر عن شعوره بالاستياء من القرار لعدم توجيه إدانة صريحة ومباشرة للعدوان الإسرائيلي على غزة، وعدم مطالبتها بالوقف الفوري للحرب، مقللاً من شأن القرار وأهميته ومتهما المحكمة بالإنحياز للمنظومة الدولية المؤيدة لإسرائبل والتزامها سياسة الكيل بمكيالين، وبين من وجد فيقبول الدعوى وإبقاء إسرائيل في قفص الاتهام إنجازاً حقيقياً يمكن أن يُبنى عليه الكثير، سيما وأن التصويت على القرار حصد إجماع 17 قاضياً باستثناء صوتين، (إسرائيل وأوغندا)، سُجّل كأحد أهم مصادر العزلة لإسرائيل.

إن رد المحكمة، الطلب الإسرائيلي برفض الدعوى، جاء كضربة عميقة ومؤثرة وجهتها العدالة الدولية لإسرائيل، كما أن خلو القرار من أمر إسرائيل بالوقف الفوري للحرب، الذي طالبت به جنوب أفريقيا ويريده الفلسطينيون وأهل غزة بالذات، لا ينتقص من قيمة الإنجاز بإرغام إسرائيل الخضوع لطلبات المحكمة بحيث أنها أعطيت مهلة شهر لا أكثر لتقديم البراهين التي تثبت التزامها بعدم ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، فالقرار حملها مسؤولية تعريض حياة الشعب الفلسطيني للقتل.

في هذا السياق، أوضح أحد خبراء القانون الدولي في حديث إعلامي أن "التدابير المؤقتة" التي طالبت المحكمة بتنفيذها "توصف بأنها أوامر تصدر عن المحكمة قبل إعلان حكمها النهائي في قضية ما، بهدف منع وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها. وبموجبها تُلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة الحكم النهائي". وهذا ما ارتكزت إليه وزيرة خارجية جنوب أفريقيا بقولها بعد انتهاء الجلسة، أنه "لا يمكن تنفيذ أوامر محكمة العدل دون وقف إطلاق النار". 

ورأى أن قرار المحكمة "يُلزم إسرائيل برفع الحصار عن المواد الأساسية، كالدواء والمياه والغذاء وهو الأمر المهم جداً بالنسبة للناس الذين يموتون من الجوع، إلى جانب إلزام إسرائيل تنفيذ تدابير تشكل أكثر اتساعا من قرار وقف الأعمال القتالية، والتي ستؤدي بالضرورة لوقف إطلاق النار". وقال إن "قرار المحكمة لا يمثل انتصاراً لجنوب أفريقيا ولا هزيمة لإسرائيل، باعتبار ما تمّ إعلانه هو إجراءات وقتية لا تمس بأصل النزاع وهو التهمة بارتكاب الإبادة الجماعية"، وأوضح أن القرار "لا يشكل قرينة بأن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة، لكنه يشير إلى أن المحكمة بدت متعاطفة مع الوضع المأساوي القائم في غزة"، وذلك بدلالة تصويت الغالبية الساحقة لأعضاء المحكمة على الإجراءات المؤقتة، وهو ما يجعله "قراراً إستثنائياً".

من جهة أخرى، رأى الخبير القانوني أن "حجة إسرائيل بالدفاع عن النفس غير مقبولة قانونا، لأن الدفاع الشرعي له شروط ومنها وجود خطر حالي وعاجل على وجودها ولكن الخطر وقع وانتهى"، في إشارة إلى هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس وأسفر عن مقتل 1200 شخصا في جنوب إسرائيل بينهم نساء وأطفال. وأشار الى "وجود خلل في شرط الدفاع الشرعي عن النفس لعدم وجود نسبة وتناسب في ردة فعل إسرائيل"، التي قتل منها 1200 شخص، فيما قتلت من الجانب الفلسطيني 26 ألف قتيل ومعظمهم من المدنيين".

وقال "أهمية قرار محكمة العدل الدولية، أنه سيفتح الباب أمام المجتمع الدولي لممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على إسرائيل من أجل وقف هجماتها ضد المدنيين في غزة"، وأن القرار "يمهّد لدول عدة بأن تنضم لدعوى جنوب أفريقيا أو تعمل على دعاوى جديدة يمكن أن تزيد الضغط القانوني الدولي على إسرائيل". وأن "الاجراء القادم للمحكمة، بعد قبول الدعوى، يتمثل في النظر بلب الموضوع المتمثل بالإبادة الجماعية والذي قد يستغرق سنوات للبث به". 

وختم حديثه قائلا: "إن إصدار التدابير المؤقتة لا يعتبر أمرا هينا ولا يجب التعامل معه كإجراء شكلي، إذ أنه يمثل خطوة مهمة في عملية النضال القانوني التي تساند الحشد السياسي والدعائي في قضايا الجرائم ضد الإنسانية."

في السياق عينه، اعتبر المبعوث الدولي للامم المتحدة الدكتور غسان سلامة في منصة إكس، أن قرار المحكمة الدولية يحرج الدول التي ما زالت داعمة لإسرائيل وكتب مغرداً "هل كان بإمكان المحكمة الدولية ان تذهب الى أبعد؟ طبعاً. لكن قراءة متأنية للقرار تجعل منه معلماً عظيماً  لقبول الشكوى، وتأكيد الشبهة، وتحديد الفاعل، وتجريم ما يقول كما ما يقترف، ومطالبته باحترام قانون دولي لم ينفك يخالفه، ولإحراج تلك الدول التي ما زالت تدعمه." 

في المحصلة قبول محكمة العدل الدولية الدعوى وإفشال محاولة إسرائيل اسقاطها، وتبنيها بشكل واضح لعدد من التوصيات التي طالبت بها دولة جنوب افريقيا صاحبة الدعوى، وأصدارها القرارات التي تفرض على إسرائيل اتخاذ التدابير والاجراءات التي تمنع حصول الإبادة، يضع إسرائيل تحت مساءلة ومحاسبة القانون الدولي وهذا تقدم كبير وانجاز محوري في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لا بل يفتح صفحة جديدة تشهد بوضوح على انتهاكاتها حقوق الفلسطينيين وارتكاب الجرائم البشعة بحقهم، ويبقى الأمل قائماً في أن تكون لهذه القرارات المهمة أنياب ومخالب لتنفيذ توصياتها ووضع حد فوري وحاسم لإراقة دماء الأبرياء، وذلك يرتب على الجانب الفلسطيني وعلى القوى الداعمة لقضيتهم المحقة، واجب متابعة تنفيذ توصيات المحكمة ورسم خريطة طريق لإنجاز مهامها المتعددة، (سياسية وإعلامية وقانونية)، والعمل على  توثيق ما يثبت عدم امتثال إسرائيل لطلبات المحكمة باتخاذها الإجراءات التي تمنع حصول جريمة الإبادة الجماعية. 

إن المعركة القانونية، تحتاج إلى استراتيجية واضحة المعالم، وطاقات بشرية متخصصة وإدارة حداثية في الأداء السياسي والإعلامي. تستطيع اختراق المحافل الدولية التي ما زالت تتبنى الرواية الإسرائيلية وتدعمها بشكل مطلق.

 

Loading...