دور أمريكا في شرعنة الاستيطان الإسرائيلي

 

ثمة مواقف متضاربة لبعض الإدارات الأمريكية إزاء قضية الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران /يونيو من عام 1967، ففي عام 1978، توصلت إدارة جيمي كارتر إلى أن بناء المستوطنات الصهيونية المدنية مخالف للقانون الدولي، وقد اختلف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان مع هذا الموقف في عام 1981، مؤكداً على أنه لا يرى أن المستوطنات غير قانونية بطبيعتها. ومنذ ذلك الحين، تبنت الولايات المتحدة موقفا يتضمن أن "المستوطنات غير شرعية، رغم أنها ليست "غير قانونية"، وفي الوقت نفسه لوّحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بإسقاط أي مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين النشاطات الاستيطانية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. على الرغم من ذلك، كسر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما القاعدة المذكورة، حيث طالب بتجميد النشاطات الاستيطانية وليس تفكيكها، وفي أواخر عام 2016 بالامتناع عن استخدام حق الاعتراض (فيتو) ضد قرار للأمم المتحدة يحث على نهاية ما يدعى بالمستوطنات الصهيونية غير القانونية. وتحول الموقف الأمريكي بشكل جذري إزاء قضية المستوطنات، حيث تبنت إدارة ترامب نهجا أكثر تسامحا تجاه بناء المستوطنات الصهيونية واعتبرت الاستيطان قانوني وقد رحبت دولة الاحتلال الصهيوني بموقف الرئيس الامريكي السابق. ولهذا يمكن الجزم بأن شرعنة الاستيطان يعتبر الهدية الأثمن لإدارة ترامب لجهة تدعيم حكم اليمين الصهيوني، ويخدم في الوقت ذاته الموقف المتشدد حيال المستوطنات، الذي اعتمده نتنياهو خلال فترات حكمه، الأمر الذي عززّ في النهاية الشراكة القوية بين إدارة ترامب ودولة الاحتلال الصهيوني بغرض الانقضاض على الحقوق الفلسطينية، ويلحظ المتابع بأن ارتفاع وتيرة النشاط الاستيطاني وتشييد وحدات سكنية جديدة تكشف أن إدارة بايدن لم تفعل شيئاً لوقف التوسع الاستيطاني في مختلف مناطق الضفة الغربية، والتي تسيطر عليها إسرائيل، وتبعاً لذلك تعتبر إدارة بايدن مشرعنة بدورها للاستيطان الاسرائيلي.

إن شرعنة المستوطنات الصهيونية وانحياز الادارات الامريكية المتعاقبة  للسياسات الاسرائيلية، أدت إلى إنشاء (176) مستوطنة يسكنها قرابة 670 ألف مستوطن صهيوني،هذا فضلاً عن سيطرتها على مساحة تصل إلى 3458 كيلومترا مربعا من مساحة الضفة الغربية البالغة 5664 كيلومترا مربعا مصنفة كمنطقة (ج) وفق اتفاقية إعلان المبادئ (أوسلو)، أي السيطرة المباشرة على ثلثي مساحة الضفة الغربية، لكن في مقابل ذلك تعتبر المستوطنات الصهيونية، مناقضة لكل المبادئ والأعراف الدولية، وفي المقدمة منها، ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب في عام 1949، الذي يفصِّل سلسلة طويلة من المحظورات المفروضة على قوة الاحتلال، وجوهر الميثاق، يحظر على المحتل توطين سكانه في الأراضي المحتلة، وهو ما أعاد التأكيد عليه العديد من قرارات الشرعية الدولية، سواء قرارات مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العمومية، وبالتالي؛ فإن فرض الأمر الواقع بالقوة لا يمكن أن يشرعن ويصبح بالتالي قانونيا. وقد صدرت رزمة من القرارات والمبادئ والاتفاقات الدولية التي تؤكد ذلك، وتنكر أي صفة قانونية للاستيطان الصهيوني، أو الضم، وتطالب بإلغائه، وتفكيك المستوطنات كمعالم احتلالية، بما في ذلك الاستيطان الصهيوني في مدينة القدس، وأهمها اتفاقية لاهاي عام 1907، معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، فضلاً عن قرارات مجلس الأمن، ومنها القرار رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد على أن الاستيطان ونقل المستوطنين الصهاينة للأراضي الفلسطينية غير شرعي، وكذلك القرار رقم 452 لسنة 1979 ويقضي بوقف الاستيطان، حتى في مدينة القدس، وبعدم الاعتراف بضمها.

إن شرعنة الاستيطان من قبل الإدارات الامريكية في الضفة الغربية بما فيها القدس يعتبر استمراراً وشراكة مع إسرائيل في عدوانها الفاشي المستمر على حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها القرارات الدولية، وبهذا تضع امريكا نفسها في مواجهة للقانون الدولي وفرض شريعة الغاب، رغم أنها غير مؤهلة أو مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين، ولا يحق لها صياغة القانون الدولي وشرعنة الاستيطان الصهيوني غير الشرعي أصلاً بناء على رغباتها اليمينية والعنصرية.

ومن نافلة القول أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استثمرت نحو (85) مليار دولار في بناء المستوطنات الإسرائيلية منذ عام 1967، نسبة كبرى منها من المساعدات الأمريكية اللوجستية السنوية لإسرائيل والتي تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنوياً (60) في المائة منها مساعدات عسكرية و(40) في المائة على شكل مساعدات اقتصادية.

Loading...