المستحريديم: الاختراع الإسرائيلي الجديد للخداع

 

نشرت القناة «13» التلفزيونية الإسرائيلية تقريراً عن وحدة جديدة أنشأتها الشرطة الإسرائيلية في القدس تحت مسمى «مستحريديم» الذين يتشبهون بالأصوليين اليهود «الحريديم»، وهذه الوحدة أقيمت لخداع واعتقال الشبان الفلسطينيين في القدس الذين يلقون الحجارة على الإسرائيليين في المدينة. ويقوم أفرد الوحدة بلبس زي الأصوليين، خاصة القمصان البيضاء والبنطال والجاكيت الأسود والطاقية السوداء، ويضعون الجدائل تماماً كما يلبس المتدينون «الحريديم». والفكرة مستوحاة من وحدات المستعربين التابعة للوحدات الخاصة في الجيش وجهاز الأمن العام «الشاباك» وحرس الحدود. وبالمناسبة ابتدعت فكرة «المستعربين» في سنوات الثلاثينيات من قبل عصابات «الهاغاناه»، ثم استخدمت بشكل واسع في سنوات الانتفاضة الأولى وفي السنوات التي تلتها حتى يومنا هذا. وآخر استخدام لها كان في اقتحام مستشفى ابن سينا في جنين حيث تمّت تصفية ثلاثة مطلوبين من المقاومة الفلسطينية.
فكرة إنشاء وحدة «المستحريديم» تعود لسياسة الحكومة في إسرائيل، خاصة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، في التصعيد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة. وعلى الرغم من توصيات جهاز «الشاباك» التي تحذّر المستوى السياسي من اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة؛ بسبب السياسة الإسرائيلية المتبعة هنا، خاصة الاجتياحات والاستفزازات اليومية من قبل قوات جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، وعمليات القتل والاعتقال وهدم البيوت والترحيل والحواجز، بالإضافة إلى منع العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل وخصم أموال المقاصة وتدهور الوضع الاقتصادي بصورة عامة، تستمر السلطات الإسرائيلية في نفس السياسة وتستعد لاحتمال اندلاع انتفاضة. أي أنها تدفع الأمور نحو المزيد من التوتر والمواجهات وصولاً إلى الانفجار التام للوضع.
لا يبدو أن المستوى القيادي في إسرائيل استوعب درس السابع من أكتوبر. فما يهم هؤلاء هو الانتقام وتلقين الفلسطينيين درساً على أنهم تجرؤوا على مهاجمة إسرائيل، بدلاً من التفكير في نزع فتيل الصراع والعنف بوقف سياسات الاحتلال العدوانية وحرب الإبادة الجماعية التي يواصلونها في قطاع غزة ونسبياً في الضفة الغربية. وهي نفس السياسة التي تشكل فتيل التفجير في هذه المنطقة. مع أن الدرس الأهم لهذه الحرب الدموية الإجرامية يقول: إن إسرائيل لا يمكنها أن تستمر في احتلالها للأراضي الفلسطينية والتنكيل بالشعب الفلسطيني وممارسة كل أشكال القمع والاضطهاد ضده، بما في ذلك مصادرة حقوقه الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال، ثم تنعم بالأمن والاستقرار. ولا يزال الإسرائيليون عموماً باستثناءات قليلة تعزل السابع من أكتوبر عما قبله وعما يحدث بعده.
وبدلاً من البحث عن تخفيف حدة التوتر بإيقاف إطلاق النار والذهاب نحو حل سياسي للصراع يقوم على مبدأ إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع إسرائيل وتحقق الأمن والاستقرار في كل المنطقة، تعمد الحكومة الإسرائيلية إلى البحث في كيفية الاستعداد للحرب القادمة والمزيد من العنف. ولا يهمها الفشل الكبير والهزيمة النكراء التي لحقت بإسرائيل وبفكرة استمرار احتجاز حرية الشعب الفلسطيني بالقوة المسلحة، ومواصلة لعبة إدارة الصراع علّها تنجح في تغيير الواقع الديموغرافي والجيوسياسي في الأراضي المحتلة بما يمنع قيام دولة فلسطينية ويوصل الفلسطينيين إلى حد اليأس.
لم يتعلم الإسرائيليون من تجارب العقود الطويلة من الصراع بأنه لا يمكن تطويع إرادة الشعب الفلسطيني الذي يستطيع في كل مرة، وعلى تنوع وامتداد المراحل التي يمر بها من صعود وهبوط، النهوض من جديد بقوة أكبر وعزيمة أكبر، وإصرار على مواصلة الكفاح حتى انتزاع حقوقه الوطنية. ويبدو أن المجتمع الإسرائيلي لا يزال تحت وقع الصدمة الهائلة التي تلقاها ولم يستعد توازنه للسؤال عن اليوم التالي لهذه الحرب، وكيف يمكنه التخلص من هذا الوضع الكارثي الذي يمس بقدرته على الحصول على الأمن والاستقرار.
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وعلى الرغم من تأييد ألمانيا لإسرائيل وتجاهلها للفظائع التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني، قالت جملة شهيرة تستحق أن يدرسها الإسرائيليون، وهي: «إن إسرائيل لن تحصل على الأمن طالما أن الشعب الفلسطيني لم يحصل على الأمن». مع ذلك، وحتى يستفيق الإسرائيليون ويتحرك العالم بشكل جدي، على الفلسطينيين أن يستعدوا ويرتبوا أمورهم بشكل جدي على مستوى إصلاح مؤسساتهم، وبناء وحدتهم الوطنية، وتهيئة المناخ للمرحلة القادمة. وهذا يجب أن يتم بصرف النظر عن المطالبات الدولية بالإصلاح وتجديد السلطة؛ فهي أمور يجب أن تتم من خلال نظرة ومصلحة وطنية.


كلمات مفتاحية::
Loading...