رفح تبحث عن فرح

 

ما عرفت رفح الفرح في تاريخها، لم تعرف الهدوء ولا الاستقرار منذ خمسة آلاف سنة، غزاها الفراعنة، والآشوريون، والإغريق، والرومان، والإنجليز، قبل الصهاينة، ووقعت على أرضها معارك بين البطالمة حكام مصر، والسلوقيين حكام الشام، ورفح حلقة وصل تاريخية بين مصر والشام، ووقعت على أرضها معركة بين الآشوريين والفراعنة، وكانت على الدوام بوابة الشام، ونقطة العبور إلى مصر، وعبر أرضها عبر خط سكة الحديد الواصل بين القاهرة وحيفا.

أصبحت رفح خراباً بعد القرن السابع الهجري، وعرفت التقسيم بعد اتفاقية كامب ديفيد، واقتطعت مساحات من أراضيها لصالح مصر، تقزّمت مساحة رفح لصالح الجانب المصري، كما تقزّمت مساحة غزة في الشمال لصالح الاحتلال الإسرائيلي الذي بنى مستوطناته فيما يسمى "الغلاف"، على أراضيها، وكانت رفح ملجأ اللاجئين، كما خان يونس وغزة بعد نكبة عام 1948.

رفح ليست مدينة عابرة وإن كانت معبراً للغزاة والطامعين، وإن قَلَبتَ رفح وقدَّمت وأخَّرت في أحرفها، حرف المبنى، وحرف التهجئة، وحرف الرسم، فإنها غير قابلة للصرف، والذوبان، حرفها ثابت، تعرف نفسها، وتعرف كيف تُعرِّف عن نفسها، وتعرف دورها في خاصرة فلسطين، بوابة العبور إلى الأرض، ثغر فلسطين الجنوبي، مقبرة الغزاة، الملاذ الأخير، وعلى أرضها تجري المعارك الفاصلة، وينهزم الغزاة في كل مرة، وتبقى رفح، حرفاً دائم البحث عن الفرح.

فرح، رفح، حرف، حفر، حفر في الأرض لزراعتها، أو لانتشال الشهداء من تحت ركام مبانيها المهدمة، ألفت المدينة الهدم، وأجادت إعادة البناء، ورفح تجاور البحر، وتُقلِّب أحرفه كعادتها في فن تقليب الحرف، فتقول ما قال درويش: بحر، حرب، ربح، حبر، والحبر أحمر في رفح، الحبر دم، والربح دحر، وتُقلِّب رفح المفردة، فالدحر نتيجة حرب، وفي الحرب ربح، وفي رفح والبحر كل شيء يتقلب، وكل شيء متحرك، إلا الأرض والبحر، الضامنان للبقاء، المتعانقان عند الخاصرة، الحارسان للحدود، الفاصلان للمعارك، الداحران للغزاة، أم النهايات، وأم البدايات، نهايات العدوان، وبدايات الفرج، وفي الفرج فجر، كل شيء قابل للقولبة، إلا رفح، تمسك بناصية الأشياء، وتقلب الأحرف، والمثلثات الحمراء، والموازين، وتشد الحزام على الخاصرة، وتحنو على القاصر والقاصرة، والمهاجر والمهاجرة، ورفح بيت ضيق "يتسع لمليون صديق، صدر أهل غزة الواسع، ورفح ليست لقمة سهلة، لم يخرج منها غازياً، إلا منهزماً مدحورا.

 

كلمات مفتاحية::
Loading...