الحلقة الرابعة
لم يكن رد حركة حماس، ومن معها مستغرباً أو مستبعداً، في القبول الإيجابي لصفقة باريس الأمنية، على أثر اجتماع مخابرات الأطراف الأربعة: الأميركية، الإسرائيلية، المصرية والقطرية، يوم 27/1/2024 في العاصمة الفرنسية، المتضمنة وقف إطلاق مؤقت، وتبادل أسرى، وإدخال احتياجات ضرورية لقطاع غزة، فقادة المقاومة يلمسون معاناة شعبهم في القطاع وأوجاع القتل والتدمير والتجويع وحرمان حق الحياة الطبيعية، إضافة إلى صمودهم، وحاجتهم لاستثمار فشل الهجوم العسكري الإسرائيلي، وإخفاق برنامج المستعمرة في تحقيق أهدافها في قتل قيادات المقاومة واعتقالهم، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وعودة سكان المستوطنات المحاذية لقطاع غزة إلى مساكنهم وطرد الفلسطينيين وتشريدهم نحو سيناء.
فشل البرنامج الإسرائيلي في تحقيق أهداف حربهم على قطاع غزة، ونجاح المقاومة في الصمود وتوجيه ضربات موجعة لقوات الاحتلال يجعل حركة حماس في موقف يدفعها نحو قبول صفقة التهدئة وتبادل الأسرى، ولكن النتائج الحسية لمبادرة 7 أكتوبر الفلسطينية، تجعل نتنياهو وفريقه الائتلافي رافضاً ومتردداً في قبول صفقة التبادل، فمصلحته وحكومته استمرار الحرب لعله يحقق فوزاً أو إنجازاً يتطلع إليه.
فشل برنامج المستعمرة، وصمود المقاومة، والخسائر البشرية والسكانية الفادحة التي صابت المدنيين الفلسطينيين فرضت حالة التحول الإيجابي لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرهم من البلدان الأوروبية التي سبق لها وشكلت غطاء لهجوم المستعمرة على قطاع غزة على قاعدة: "حق المستعمرة في الدفاع عن نفسها" مبرراً ومشروعاً، ولكن نتائج الفشل الإسرائيلي كانت مخيبة لمواقفهم، فاستجابوا نسبياً لمظاهرات واحتجاجات شوارع العواصم الأوروبية، وانعكس ذلك على تصريحات علنية لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا والنرويج، لصالح فلسطين، وبما يتعرض مع مواقف وسياسات حكومة المستعمرة ورئيسها نتنياهو.
لم يكن موقف الإدارة الأميركية أقل تأثراً من المظاهرات الاحتجاجية، ولكن يزيد عليها جوهرياً، تداعيات وحيثيات استحقاق حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتأثير مواقف الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية والإفريقية نحو خياراتها الانتخابية.
فقد سبق وساهمت الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية والإفريقية في نجاح مرشح الحزب الديمقراطي بايدن على مرشح الحزب الجمهوري ترامب في انتخابات يوم 3/11/2020 الرئاسية، وهو ما يستطيعوا فعله هذا العام، ولكن أفعال مقدماتهم تشير بوضوح علناً عن عدم استعدادهم لممارسة نفس الموقف حيث أخل الرئيس بايدن بمطالب الجالية الفلسطينية المقدمة لقيادة الحزب الديمقراطية وهي ثمانية مطالب، في طليعتها إعادة فتح السفارتين الأميركية في القدس والفلسطينية في واشنطن، وإعادة الدعم المالي لكل من الأونروا والسلطة الفلسطينية التي أوقفها وحجبها الرئيس المهزوم ترامب.
الهجوم والعدوان والحرب الهمجية غير المسبوقة بهذه الشراسة ضد المدنيين الفلسطينيين تمت بدعم وإسناد أميركي، جعلت قادة الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية والإفريقية في الولايات المتحدة: ميشغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونس وفلوريدا وجورجيا ونيفادا وبنسلفانيا، يرفضون استقبال قادة حملة الرئيس بايدن، ورفعوا شعاراً موحداً نصه: "التخلي عن بايدن"، وغالبيتهم ممن ينتمي للحزب الديمقراطي، ويقودون حملة وقف التبرعات المالية، والامتناع عن التصويت للرئيس بايدن.
الناشط السياسي الفلسطيني من الحزب الديمقراطي قال: "إنهم ينظرون لنا كتهديد، ويعرفون أنهم لن يستطيعوا الفوز في الانتخابات بدوننا".
هذا ما يُفسر التحولات المعلنة للرئيس بايدن سواء عبر الأمر التنفيذي الذي أصدره بشأن معاقبة أربعة من المستوطنين المستعمرين الأجانب والمتورطين بمهاجمة الفلسطينيين، وفسر جيك سليفان مستشار الأمن القومي الأميركي وهو يهودياً الأمر التنفيذي أنه "سيسمح بإصدار عقوبات مالية وقيود على التأشيرات بحق الأفراد الذين هاجموا أو أرهبوا الفلسطينيين أو استولوا على ممتلكاتهم".
يقول المثل لا يفل الحديد إلا الحديد، وهذا ما تفعله الإرادة الفلسطينية ومن يدعمها من العرب والمسلمين والمسيحيين والأفارقة وغيرهم.