أجمعَ كل المحللين والضالعين في العلم أن وقف الحرب في غزة هو النهاية الأكيدة لنتنياهو ولحكومته اليمينيّة التوراتيّة القائمة سياستها على "خرافة العهد"، و"دعوى الاختيار"، و"الأرض الموعودة"، وتقديس حياة الغزو والعنف المميت، والتّقديس القدري لفكرة إسرائيل (الأرض الموعودة) وما تعنيه من اغتصاب بلاد الآخرين، وذبح وحرق وتدمير وجودي لأهلها في ديارهم، وإلغاء أديانهم وثقافاتهم وتاريخهم وثرواتهم الوطنيّة.
أمام كل هذا قد تكون صفقة التبادل المقترحة هي الوسيلة المتاحة لإسقاط نتنياهو، لأنها تضعه في الزاوية الخانقة وتفقده ليس أكثر بل كل الأوراق الرابحة التي في يده؛ لماذا؟ لأنه إذا وافق على الصفقة فسيخسر اليمين المتطرف ويبقى له لابيد أو شبكة الأمان. ولكن الجميع يعرف أن هذه الورقة الأميركية سيتم سحبها لحظة انتهاء الصفقة وسيسقط نتنياهو…
أما في حال رفض نتنياهو الصفقة فسينسحب غانتس وسيُدفَع الشارع الاسرائيلي الى التحرك لإسقاط نتنياهو بشكل مهين وحتى مذل.
الحل الوحيد أمام نتنياهو هو دفع "حماس" إلى رفض الصفقة كونه المخرج الوحيد له، لا بل خشبة الخلاص التي يتمسك بها الآن!
وكي لا نُتَّهّم بالعمالة، نسأل ماذا تفعل "حماس"، من حيث لا تدري، إلاّ الرّفض وترك خشبة الخلاص في يد نتنياهو؟
أما على الصعيد اللبناني، وبالتحديد ما يجري في الجنوب، وبعد أن تأكد نتنياهو أن أميركا لا تريد حرباً واسعة في المنطقة، أي لا تريد حرباً مع إيران، والعكس صحيح طبعاً، ماذا كان أمام نتنياهو المبرَّر له حق الدفاع عن النفس، وبالسّبُل كافة، إلاّ تحويل طبيعة المعارك الدّائرة بينه وبين "حزب الله" إلى حرب بين لبنان واسرائيل؟
دخلَت أو استُدْرِجَت حركة "أمل"، لست أدري! لكن وجودها في ساحة القتال يغيِّر طبيعة الحرب القائمة لما تمثِّله من ارتباط بالدّولة اللبنانية، بشخص قائدها رئيس مجلس النّواب اللبناني، عدا عن تمسكها بلبنانيّتها كونها "أفواج المقاومة اللبنانية" وليس أفواج المقاومة في لبنان.
هنا، ومن حيث اللغة والمضمون، الفارق كبير، وكبير جداً، بين المكانيّة والصفة. وهذا ليس درساً في اللغة العربية لا بل في السّياسة والمصير. فالمكانية لا تعطي هويّة، والمقاومة الإسلامية في لبنان تعني أنها تعمل فيه وليس بالضرورة أن تنتمي إليه؛ أما الصّفة فهي التي تعطي الهويّة – "أفواج المقاومة اللبنانية" تعني أنها تقدِّم هويتها اللبنانية قبل أي شيء.
للتأكيد، دقِّقوا في بيانات النعي بين الطرفين:
في هذا النعي نرى كل المرتكزات لبنانية، من القائد المؤسس الإمام موسى الصّدر، إلى واجب الاستشهاد الوطني للدفاع عن الجنوب وكل لبنان، إلى المقدَّس – أرضنا اللبنانية.
أمام هذا نسأل، وكي لا نُتّهم بالعمالة أيضاً وأيضاً، لماذا دخلت حركة "أمل"، ومن حيث لا تدري، ساحة القتال؟
وهل ما يريده نتنياهو، ومن حيث لا ندري، نفعله نحن؟