إن تصريحات اللورد ديفيد كاميرون والتي تُعبر عن نية بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية تشكل بارقة أمل لتحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتجسيد الدولة العتيدة بعد أكثر من قرن من العمل الجاد ودفع التضحيات.
لقد دفع الشعب الفلسطيني ولا زال دماً غالياً، حيث يكفي أن نرى ما يدور في غزة والضفة في الأشهر الأخيرة من قتلٍ بدمٍ باردْ وتدمير ممنهج لكل مقومات البقاء خاصة في غزة ومخيمات ومدن الضفة. لقد بلغ عدد الضحايا في العدوان الأخير والمستمر ما يقارب 5% من مجموع السكان بين شهيد وجريح وآلاف المعتقلين وبلغت نسبة البيوت المهدمة 70% ناهيك عن المؤسسات الصحية والخدمية وتضرر البنية التحتية بنسبة تقارب 90%، نأمل هذه المرة أن لا يضيع الثمن الغالي الذي دفعه الشعب الفلسطيني على مدى عقود وبالأخص معاناة شعبنا في الشتات التي شارفت على عقدها الثامن وأن تتوج هذه التضحيات بدولة يستحقها الشعب الفلسطيني على أساس الشرعية الدولية.
لقد جاء وعد آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 كترجمة لوثيقة كلفت الكثير من الجهد والوقت ليس فقط من بريطانيا بل كانت خلاصة مشروع استعماري قديم تُوجت ملامحه النهائية في وثيقة أعدها مؤتمر للدول الاستعمارية عقد في لندن 1905 واستمر حتى 1907 وحضرته بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا وأصدر وثيقة سرية سميت بوثيقة كامبل نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا آنذاك السيد هنري كامبل بانرمان، دعت الوثيقة إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي بعد أن قسمت الوثيقة العالم إلى ثلاث أقسام:-
الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية.
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها والواجب تجاه هذه الدول هو احتواءها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديداً للفئة الأولى.
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوقها وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام والواجب تجاه هذه الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومنع هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية إضافة إلى محاربة أي توجه وحدوي فيها.
تحويل وثيقة كامبل إلى وعد رسمي اقتضى هزيمة الإمبراطورية العثمانية وتقسيمها إلى دويلات ومحميات كما حصل في اتفاق سايكس بيكو، وتحضير الرأي العام في عصبة الأمم لتكليف بريطانيا لإدارة شؤون فلسطين حتى تتمكن من حماية الهجرة اليهودية وتوفير سبل استقرارها لتجسيد دولة تحقق تطلعات وثيقة كامبل اقتضى ذلك جهد غير عادي في تسليح اليهود ومحاربة ومنع تسليح الفلسطينيين واحتاج إلى أكثر من عقدين ونصف بين 11/9/2022 و 15/5/1948.
نتج عن كل ما سلف إبادة جماعية أودت بحياة الالاف، ثم تهجير أكثر من 900000 فلسطيني وتدمير مئات القرى وبعض المدن وحرمان الفلسطينيين من كل حقوقهم بما فيها حقهم في تقرير مصيرهم وليس هذا فحسب بل استولى البريطانيين على أموال فلسطين والتي تقدر بمليارات الدولارات.
لقد صرح ديفيد كاميرون أثناء استقباله للسفراء العرب الأسبوع الماضي وأعاد التأكيد على ذلك في لقاءات مع العديد من الصحف البريطانية عن نية بريطانيا ودول أخرى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهل يُعتبر التصريح نية لتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بريطانيا بحق الفلسطينيين واستعدادها لتحمل كل تبعات هذا الخطأ أم أن ذلك يندرج ضمن الرؤيا الغربية التي تقول ان ضمانة بقاء إسرائيل كمشروع استعماري تكمن في إقامة كيان للفلسطينيين بمواصفات أقلها دولة منزوعة السلاح وربما منزوعة السيادة.