رمضاننا

 

إلى جانب الانشغال في الحرب على غزة، والاشتباك المتصاعد على الجبهة الشمالية، تتجه إسرائيل وهذه المرة بقيادة بن غفير إلى تزويد بنك الأهداف برصيدٍ جديد. وهو خفض عدد المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، من خلال تحديد أعمار المسموح لهم بالصلاة.

الترتيبات التي يجري إعدادها للتنفيذ تشمل فلسطينيي الخط الأخضر، وعموم مواطني الضفة، ذلك إلى جانب تحويل القدس إلى ثكنة عسكرية فوق ما هي عليه الآن.

لم يبقَ سوى أيام على قدوم الشهر الفضيل، الذي يحتفل به المسلمون في فلسطين وفي كل أرجاء المعمورة، وفي أيامه يمتلئ المسجد الأقصى من داخله ومن حوله بآلاف المصلين من مختلف الأعمار ويعتصم المرابطون فيه، منهم من سمحت له الحواجز العسكرية بالمرور بعد التأكد من كبر سنه، ومنهم من تسلق الأسوار وتسلل من المنافذ والأزقة الضيقة لأداء الصلاة، وفي كل رمضان ومنذ وجد المسجد والناس، كان طوفان بشري يجتاح القدس، ليتأكد للقاصي والداني، أن الناس هم صانعوا مصيرها، وهم المقررون الحاسمون لهويتها ومكانتها، فهي أكثر وأعمق من عاصمة عادية لبلد عادي، لأنها ليست عاصمة الفلسطينيين وحدهم بل هي عاصمة كل مؤمن على وجه الأرض.

القدس ليست معضلة أمنية لإسرائيل، تحل نشر القوات والحواجز والاعتقالات، وهي ليست عاصمة مستقرة لإسرائيل كسائر العواصم في كل بلدان العالم، إنها غير ذلك تماماً على الأرض وفي الواقع، فأي عاصمة تلك التي يكون الجيش وحرس الحدود والمستوطنون المسلحون والحواجز أكثر عدداً من السكان العاديين، بواقع كل فلسطيني جُنّد له جيش من المسلحين لمنعه من الصلاة!

رمضان.. الشهر الذي تتكون فيه حياتنا بالبهجة والعبادة، ويضيء فيه أطفالنا الفوانيس، ويسهرون خشية أن يدركهم النوم ولا يستمتعون بطبلة المسحر ونداءاته لخلق الله كي يحظوا ببركة السحور.. وهل شهر كهذا ورد ذكره في القرآن الذي أنزل هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ويُحتَفَى به منذ عهد الرسول الأعظم وإلى ما لا نهاية ويستوطن الروح والقلب والعقل، شهر كهذا هل يقدر عليه بن غفير ومن يشبهونه؟

يستطيع الحاجز العسكري أن يمنع المصلين من الوصول، ويستطيع الخيالة تفريق محتشدين في طريقهم إليه، ولكن ما لا يستطيع كائن من كان فعله أن يخرج القدس من القلوب، ويفك الارتباط المقدس بالمسجد منذ أول ركعة أدّاها الفاروق على أرضه الطاهرة إلى ما لا نهاية.

الخلاصة: على أرض القدس يشعل بن غفير ومن يشابهه حرباً على رمضان، وفي القدس من يعلن كل يوم وكل ساعة بأن في القدس شعباً يحميها، أمّا بن غفير وأمثاله فهم إلى زوال هكذا يقول الحاضر والماضي واشارات المستقبل.

 

Loading...