بقلم: يوئيل غوجانسكي، كوبي ميخائيل، افرايم لافي.
في العام 2002، وخلال قمة الجامعة العربية في بيروت، اعتمدت الجامعة خطة السلام في الشرق الأوسط، التي قدمها ولي عهد المملكة العربية السعودية والحاكم الفعلي في ذلك الوقت، الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. حددت هذه الخطة، المعروفة باسم مبادرة السلام العربية، مبادئ التسوية السياسية بين إسرائيل وجميع الدول العربية. ودعت إلى الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية وإعادة هضبة الجولان إلى سورية ومزارع شبعا ومنطقة شوبا إلى لبنان. كما نصت المبادرة على ضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بطريقة "عادلة ومتفق عليها" وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (مع تسليط الضوء على رفض الدول العربية منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين في أراضيها). وبعد انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي المحتلة وإنشاء دولة فلسطينية، تصبح الدول العربية مستعدة لإقامة "علاقات طبيعية" مع إسرائيل وقبول مبدأ إنهاء الصراع. لكن إسرائيل اعتبرت مفهوم "العلاقات الطبيعية" مفهوما غامضا لا يتوافق مع مفهوم التطبيع الذي تسعى إليه إسرائيل.
كما تعهدت الدول العربية بتشجيع الدول الإسلامية غير العربية على إقامة السلام مع إسرائيل. وبعد مرور 22 عاماً، على الأقل بشكل علني، لا تزال المملكة العربية السعودية تدعم هذه المبادرة. وبالمثل، فإن الموقف الرسمي للولايات المتحدة هو أن اتفاقيات أبراهام ليست بديلاً لحل الصراع. والآن، وسط الحرب وتصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة، أصبحت الرياض أكثر التزاماً بفكرة الدولة الفلسطينية، كما يتجلى ذلك في الصحافة السعودية وفي تصريحات كبار المسؤولين في المملكة. على سبيل المثال، في منتدى دافوس في كانون الثاني 2024، أكدت ريما بنت بندر آل سعود، السفيرة السعودية في واشنطن، على "اندماج" إسرائيل في المنطقة مقابل استعدادها لإقامة دولة فلسطينية. وعندما سُئل عما إذا كانت مثل هذه الصفقة ستؤدي إلى اعتراف السعودية بإسرائيل، أجاب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود: "بالتأكيد".
اتفاقات أبراهام
لقد وضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب التزامه بوقف طموحات إيران النووية، هدفاً طموحاً آخر: إحلال السلام مع المملكة العربية السعودية. ولا شك أن هذا هدف جدير. ونظراً لوضع المملكة كوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية وبروزها في العالم العربي، فإن الاتفاق مع المملكة العربية السعودية من شأنه أن يمنح شرعية إضافية للدول العربية والإسلامية الأخرى لإقامة علاقات مع إسرائيل. علاوة على ذلك، باعتبارها أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، فإن السوق السعودية لديها إمكانات كبيرة للشركات الإسرائيلية في مجالات متنوعة، وليس سرا أن المملكة العربية السعودية وإسرائيل تربطهما علاقات أمنية هادئة. علناً، كان السعوديون يتحركون تدريجياً وببطء نحو إسرائيل، في نوع من "التطبيع الزاحف". ومع ذلك، لإعلان هذه العلاقة مع إسرائيل، أكد المسؤولون السعوديون على أهمية إنشاء دولة فلسطينية والالتزام السعودي بمبادرة السلام العربية.
لقد حسنت اتفاقيات أبراهام وعززت بشكل ملحوظ موقع إسرائيل الاستراتيجي في المنطقة. لكن الافتراض بأن مبادرة السلام العربية ومطالبها بالتطبيع مع إسرائيل قد عفا عليها الزمن بالفعل، وأن السلام مع الدول العربية لم يعد مشروطا بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد ثبت أنه غير صحيح. وينطبق هذا بشكل خاص على المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الأكثر أهمية التي ليس لدى إسرائيل اتفاق رسمي معها. بعد ثلاث سنوات من اتفاقات أبراهام، من الواضح أن القضية الفلسطينية لا تزال على جدول أعمال العالم العربي، وبالتأكيد بين الجمهور العربي، حيث الدعم للفلسطينيين قوي وبارز. كما أصبح من الواضح أن دفع العملية السياسية من شأنه أن يساعد بشكل كبير في تعزيز جهود التطبيع وتوسيع نطاقها.
وعلى مر السنين، حافظت المملكة العربية السعودية على موقف سلبي فيما يتعلق بالدفع بالمبادرة؛ ومع ذلك، منذ التوقيع على اتفاقات أبراهام، أكدت المملكة التزامها بهذا الإطار، ربما لمواجهة الانتقادات لتقديم دعم خارجي لاتفاقات أبراهام والمساعدة في تنفيذها (بما في ذلك الموافقة على الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل التي تحلق فوق السعودية). وشدد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود في تصريحاته على ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار مبادرة السلام العربية، وربطها بشكل مباشر بالتطبيع مع إسرائيل. ويبدو أن الملك ونجله ولي العهد متفقان على أن المملكة لا يمكنها أن تتجاهل المبادرة التي اتخذتها هي نفسها. علاوة على ذلك، يعتبر ولي العهد أكثر واقعية تجاه العلاقات مع إسرائيل من والده، بناءً على تصريحات أدلى بها للصحافة وفي اجتماعات مختلفة، بما في ذلك لقاء مع رئيس الوزراء نتنياهو في تشرين الثاني 2020. علاوة على ذلك، خلال زيارة الولايات المتحدة وخلال زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية في حزيران 2022، أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير مجددا التزام السعودية بتنفيذ مبادرة السلام العربية وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
هل ما زالت المبادرة صالحة؟
ورغم أن مبادرة السلام العربية شاملة وتتناول النزاعات الإقليمية بين إسرائيل وسورية (مرتفعات الجولان) ولبنان (مزارع شبعا)، فإن تركيزها الأساسي ينصب على القضية الفلسطينية. وفي السنوات الأخيرة، برز واقع جديد في الشرق الأوسط، حيث لا تنظر السعودية والدول الموقعة على اتفاقات أبراهام إلى عمليات التطبيع كبديل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تواصل السعودية التأكيد على أهمية التقدم في القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع مع إسرائيل. وبالمثل، فإن الدول الموقعة على اتفاقات أبراهام، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، تدعو علناً إلى إحراز تقدم نحو حل الصراع.
وفي العام 2014 صرح الأمير السعودي تركي بن فيصل آل سعود في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" أن المبادرة العربية يجب أن تكون بمثابة أساس للمفاوضات وأنها "ليست جامدة وليست إملاءات تبسيطية، ولكن يمكن تكييفها لتشمل أي اتفاق طوعي. يتم التوصل إليه في الاتصالات بين الإسرائيليين والفلسطينيين". ويشير هذا النهج إلى ضرورة النظر إلى المبادرة باعتبارها نقطة انطلاق للمفاوضات، لكن لا ينبغي لها أن تملى عليها. وفي مقابلة مع شبكة العربية الإعلامية السعودية، أشار رئيس الوزراء نتنياهو، عند توليه منصبه، بشكل إيجابي إلى مبادرة السلام العربية باعتبارها علامة على الرغبة الحقيقية في تحقيق السلام الشامل.
ونظراً لهذه الديناميكيات، يتعين على إسرائيل أن تعيد تقييم مبادئ المبادرة. ومن الممكن أن تتماشى عملية إعادة التقييم هذه مع طموح المملكة العربية السعودية المتجدد لقيادة العالم العربي؛ والجهود التي يبذلها الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتعزيز مكانته المحلية والدولية كزعيم عملي. يمكن لمبادرة سلام جديدة أن تخفف من المشاعر المعادية لإسرائيل في الشارع العربي والانتقادات الداخلية للمملكة العربية السعودية لدعمها غير المباشر لاتفاقات أبراهام.
توصيات السياسة
إن موقف الدول العربية من القضية الفلسطينية – عبر حل الصراع على أساس الدولتين – منصوص عليه في مبادرة السلام العربية ومعلن، لكنه ليس شرطا للسلام بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية الأخرى. بل إن المبادرة هي الخطوط العريضة لمبادئ المفاوضات والتسوية السياسية، والتوصل إلى إجماع حول هذا الإطار كأساس للمفاوضات يمكن أن يتيح تفسيرات وحلولا عملية أكثر ملاءمة لإسرائيل.
على سبيل المثال، لا تشير المبادرة صراحة إلى "حق العودة" لكنها تشير بدلاً من ذلك إلى "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" باعتبارها مسألة ينبغي "الاتفاق عليها" وحلها من خلال الاتفاق مع إسرائيل. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن تؤكد إسرائيل أن تحقيق حق العودة إلى الأراضي الإسرائيلية ذات السيادة ليس قابلاً للتطبيق. وينبغي لإسرائيل أيضاً أن تصر على معالجة حل مشكلة اللاجئين اليهود من الدول العربية، الذين تعرضوا للاضطهاد والطرد أو الهرب ومصادرة ممتلكاتهم من قبل السلطات وغيرها. فضلاً عن ذلك، فرغم أن المبادرة لا تطالب بإخلاء كافة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فإن دعوتها للعودة إلى حدود 1967، من دون الإشارة إلى تبادل الأراضي، تعني ضمناً إزالة كافة المستوطنات. لذلك، من المهم الدعوة إلى إدراج مبدأ التبادلات الإقليمية لإتاحة المجال للمرونة فيما يتعلق بترتيبات الاستيطان والاعتراف بالكتل الاستيطانية المتاخمة لحدود إسرائيل.
إن الإعلان المتجدد من جانب إسرائيل، والذي يعترف بمبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات، إلى جانب الالتزام الحقيقي بتعزيز السلطة الفلسطينية المتجددة/المعدلة وتجديد العملية السياسية معها، من شأنه أن يتماشى مع رؤية الرئيس بايدن لبنية إقليمية جديدة. وتعتمد هذه الرؤية على عملية التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ما يضيف طبقة حاسمة إلى اتفاقات أبراهام. وفي هذا الإطار سيكون من الممكن أيضا إنهاء الحرب في قطاع غزة والتقدم على الساحة الفلسطينية، خاصة أن "حماس" لم تعد كيانا سياديا حاكما. إن التقدم في هذه الاتجاهات من شأنه أن يسمح للمملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، بما في ذلك الأردن ومصر والمغرب، بتوسيع شرعية اتفاقياتها مع إسرائيل وتعزيز علاقاتها الثنائية.
ومن أجل التوقيع على اتفاق سلام كامل مع إسرائيل، ستطالب المملكة العربية السعودية إسرائيل بإجراء تغييرات كبيرة، والتي يمكن أن تقدمها كجهود لتعزيز حل الدولتين، على النحو المبين في مبادرة السلام العربية. ومع الاعتراف بأن الديناميكيات قد تغيرت منذ العام 2002، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تسعى إلى إدخال تعديلات على المبادرة. لذلك، فإن مبادرة السلام العربية الجديدة، بعد عقدين من صدورها لأول مرة وثلاث سنوات من توقيع اتفاقات أبراهام، يمكن أن تفيد إسرائيل بشكل كبير، خاصة إذا كانت تتماشى مع الرؤية الإقليمية الأميركية وحظيت بدعم أميركي. ويجب على إسرائيل أن تنظر إلى هذه المبادرة المحدثة كأساس لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وضمان الدور الأميركي المؤثر في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن النسخة المحدثة من مبادرة السلام العربية من شأنها أن تكون بمثابة نقطة مركزية للمناقشة بين إسرائيل والدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية. وستعرض إسرائيل في هذه المناقشات مطالبها ومواقفها مع الإشارة إلى اتفاقات أبراهام كنموذج للتفاهم وتطبيع العلاقات.
عن "معهد بحوث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب