مع نهايات القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة، لعبت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، دوراً كبيراً في طريقة صياغة الأخبار وترويجها، فقبل عصر الإنترنت، كان الناس يتلقون الأخبار من مصادر إعلامية موثوقة، يلتزم الصحفيون القواعد المهنية في نشرها، إلى أن جاء الإنترنت، فأتاح طرقا جديدة لنشر الأخبار والمعلومات، ومشاركتها والاطلاع عليها، ترافق ذلك مع افتقار نسبي للأسس المهنية، ومعايير التحرير التي تستند إليها مهنة الصحافة.
إن تراجع التعليم، وضعف مستوى الثقافة والوعي بشكل عام، عناصر تخلق بيئة ملائمة لانتشار المعلومات المضللة، فضلاً عن تشظي مصادر المعلومات وطرق روايتها مع انتشار الإعلام الجديد. وكشف باحثون في مشروع "فيرست درافت"، " أن الشائعة بمفهومها التقليدي لم تعد المحتوى المضلل الوحيد على الشبكة، وإنما تنوعت أساليب التزييف والتضليل في بيئة المعلومات، مثل المحتوى الملفق، وهو محتوى غير صحيح في معظمه، ويهدف للخداع وإلحاق الأذى، والمحتوى المزور الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية، والمحتوى المضلل الذي يستخدم المعلومات بطريقة مضللة لتوجيه الاتهامات زوراً، فضلاً عن التلاعب بالمحتوى والسياق المزيف، بوضع عناوين أو صور ليس لها صلة بالمحتوى.".
إن الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة متنوعة بحسب دوافع مؤلفيها، فمنها ما يسمى بـ "العناوين المستدْرِجَة للنقر"، التي غالباً ما تتسم بالجاذبية والغموض في تناول قصص مفبركة وصور مشوهه، الهدف منها زيادة "النقرات" والمشاركة في الشبكة العنكبوتية، وهي مصممه لزيادة عدد زوار الموقع، وبالتالي زيادة عائدات الاعلانات. ومن أنواعها أيضا "الدعاية الرنانة"، التي تعمل على تضليل الجمهور، وتعزيز أجندة سياسية أو منظور متحيز، بالإضافة لـ "الصحافة الركيكة"، التي لا يأخذ الصحفي الوقت الكافي للتحقق من جميع الحقائق قبل النشر، ما يؤدي إلى تحول الأخطاء المرتَكبة "بحسن نية" إلى أخبار زائفة.
وفي بعض الأحيان قد يكون الخبر صحيحاً في مجمله، ولكن يتم استخدام عنوان مثير مضلل، لحث القراء على النقر عليه، ما قد يؤدي إلى ترويج أخبار كاذبة، من خلال إعادةً عرض العنوان الرئيسي (المانشيت)، ومقتطفات صغيرة فقط من المقالة أو التقرير، على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشاره بسرعة. وغالباً ما يتمكن السياسيون، من التملص من أي أخبار لا تتفق ومصالحهم، وعلى الرغم من صحتها وإمكانية التحقق من صدقيتها، إلا أنهم يعتبرونها أخباراً كاذبة، لأن مصطلح "أخبار كاذبة" فضفاض، وقابل للتأويل ما يمكنهم من الطعن به.
والأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، عادة ما يتم نشرها من خلال مواقع إخباريه كاذبة، تحاكي مصادر الأخبار الأصيلة، في محاولة لإكتساب المصداقية. ووفقا لأبحاث إعلاميه، فإن وسائل التواصل الاجتماعي، قادرة على نشر الادعاءات الكاذبة، بسرعه تفوق عشرات المرات، ترويج الاخبار الدقيقة والخاضعة لمعايير صحفية مهنية، لأنها مصممة لجذب الانتباه والتلاعب بالمشاعر، ولإحتوائها إدعاءات أو قصص غريبة لإثارة الغضب أو الخوف.
إن مقاييس مضمون أي موضوع، في وسائل التواصل الاجتماعي، تعتمد على التفاعل، بمعنى عدد مرات مشاركته، وإبداء الاعجاب به، وليس على مدى دقته، أو تحري الصدق فيه، ما يسمح لهذا النهج بانتشار العناوين الجاذبة " للنقر"، والمبالغة والمعلومات الخاطئة على نطاق واسع، آخذين بعين الاعتبار أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي، هي منصات وليست دوراً للنشر، أو مطبوعات صحفية، مما يعني أنها لا تتحمل نفس المسؤوليات القانونية، التي تتحملها وسائل الإعلام التقليدية.
وعادة ما يلجأ مروجو الأخبار الكاذبة لاستخدام تقنية "التزييف العميق"، وهي عبارة عن مقاطع فيديو مزيفة، يتم إنشاؤها باستخدام البرامج الرقمية، والتعلم الآلي ومبادلة الوجوه، من خلال دمج الصور، لإنشاء لقطات جديدة، تعرض أحداثاً لم تحدث على أرض الواقع، وغالباً ما تكون نتائجها مقنعة للغاية، ويصعب اكتشاف زيفها..
ومع انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات للأخبار، بدأت معركة الأخبار الزائفة في الظهور في فضاء الإنترنت العربي، خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي في العام 2011، التي أدت بدورها إلى صراعات سياسية محتدمة لا تزال مستمرة إلى اليوم، ومثلما كان لمنصات الأخبار المستقلة، السبق في التوجه للصحافة الإلكترونية في المنطقة العربية، فقد كان للمبادرات المستقلة السبق أيضاً، في التوجه لمكافحة انتشار الأخبار الزائفة، من خلال منصات تحقق، تعمل على تصحيح المعلومات المضللة، عن طريق شرح السياقات، التي قيلت فيها تصريحات مسؤولين حكوميين أو ناشطين اجتماعيين وحتى فنانين، تم تداولها بشكل خاطئ.
والأخبار الزائفة من أخطر الاسلحة فتكاً بالمجتمعات، لما تشكله من خطر على عقل ونفسية الانسان لتزييف وعيه، واستقرار وأمن المجتمع، لا سيما مع انتشارها غير المتحكم فيه، في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الحيز الأكبر من الفضاء الرقمي، ما يتطلب لمواجهتها توعية الرأي العام بكيفية التعاطي معها، وحث الصحفيين على الالتزام بمعايير الأخلاق المهنية، بعدم نشر معلومات غير مؤكدة، والالتزام بالتحقق من مصادر المعلومات والصور، وغيرها من المواد قبل النشر.
وخلصت دراسة أجراها فريق بحثي من جامعتي "إلينوي وبنسلفانيا" الأمريكيتين لثلاث توصيات: الأولى، عدم منح الفرصة لإثارة الجدل والنقاشات الداعمة للمعلومات المضللة، والثانية بأن تتضمن رسائل التصحيح معلومات مفصلة وجديدة، دون الاكتفاء بمجرد تكذيب المعلومة المضللة، والثالثة إشراك الجمهور في مكافحة المعلومات المضللة بنشر الوعي. إن مواجهة التضليل، يجب أن تتضمن تقديم معلومات وأدلة جديدة، دون الاكتفاء بوصم المعلومات الأولى بـ"عدم الصحة"، إذ تقل احتمالات قبول الجمهور لرسائل التصحيح، إذا جرى التعليق عليها بـ "غير صحيح" فقط، دون مواجهتها بدليل جديد.
مجلة "ساينس" نشرت تقريراً أعده باحثون من معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" في الولايات المتحدة، تناول 126 ألف موضوع على التويتر، بين عامي 2006 و2017 ، أفاد بأن الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الحقيقية، وأن من ينشرها البشر إلى حد كبير، وليس الروبوتات، وقال التقرير إن ثلاثة ملايين شخص، أعادوا تغريد قصصا إخبارية غير صحيحة، أكثر من أربعة ملايين وخمسمئة ألف مره.
ولأن الصحفيين هم الأكثر عرضة للوقوع في فخ المعلومات الخاطئة، فإنهم يتجهون حاليا إلى استخدام آليات تقنيه، لمواجهة مثل هذه المعلومات، منها ، دليل "Google News Lab" و "First Draft" للتحقق من الصور والفيديو والاخبار على الفيسبوك وتويتر .. كما قدم موقع "إضاءات" ترجمه مجموعه من الخطوات منشوره باللغة الانجليزية على موقعCNN للتحقق من الأخبار الزائفة على فيسبوك.