«3 كيانات لشعبين» وتثقيف لمحبة إسرائيل ومنع إقامة دولة فلسطينية
في بعض الأحيان يكذب المرء عينيه وهو يقرأ ما يخططه القادة الإسرائيليون للآخرين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد ضغوط شديدة من الإدارة الأميركية الحليفة والشريكة والصديقة، ومن قيادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وجهات عديدة دولية وإقليمية ومحلية، أعد خطته لليوم التالي ما بعد الحرب على غزة. ويتضح منها أنها ليست فقط منسلخة عن الواقع، بل تحاول فرض شروط على الفلسطينيين تنطوي على تخليد الاحتلال لأراضيهم والسيطرة على حياتهم، وتصل حتى إلى حد إعادة تربيتهم وتثقيفهم حتى يغيروا موقفهم من إسرائيل ويقلبوا الكره إلى محبة.
ويبدو من صياغة نصوص الوثيقة أن نتنياهو يؤمن بجد أنه قادر على الجلوس في مكتبه في تل أبيب، ورسم خريطة قواعد حياة الآخرين، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل يخطط أدواراً للولايات المتحدة وللدول العربية أيضاً.
الوثيقة قصيرة مؤلفة من صفحة وربع الصفحة. عنوانها هو: «اليوم التالي ما بعد حماس - مبادئ». مقسمة إلى أربع فقرات. الأولى: «الشروط اللازمة للوصول إلى (اليوم التالي)». وفيها يؤكد استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها: إبادة القدرات العسكرية والبنية التحتية لسلطة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وإعادة المخطوفين ومنع إمكانية أن يكون قطاع غزة تهديداً أمنياً.
هنا يتضح أن نتنياهو تعلم الدرس ولم يعد يتحدث عن إبادة «حماس». فقد شرحوا له أن «حماس» تنظيم فكري وليس فقط تنظيماً مسلحاً. لكنه يبشر بالاستمرار في الحرب.
الفقرة التالية وُضعت تحت عنوان «المجال الأمني». وهنا توجد خمسة بنود توضح نيات نتنياهو الجادة في اعتماد استمرار الحرب. فيقول إن إسرائيل ستحتفظ بحرية عملياتها الحربية في جميع أنحاء قطاع غزة، مؤكداً أن هذا سيكون «من دون تحديد مدة»، وذلك لغرض «منع تجدد الإرهاب وتصفية التهديدات من غزة»، ثم يؤكد إصراره على إقامة حزام أمني داخل تخوم قطاع غزة على طول الحدود مع إسرائيل «ما دامت توجد هناك ضرورة أمنية». ونتنياهو، الذي يستطيع إقامة هذا الحزام داخل الأراضي الإسرائيلية، يشدد على أنه يريده حزاماً مقتطعاً من أراضي غزة لصالح إسرائيل. وبذلك يثبت النظرية التي وضعها وزيره بتسلئيل سموتريتش بمعاقبة الفلسطينيين على هجوم «حماس» بأن يخسروا قطعة من أراضيهم.
وهنا يأتي إلى بند يتعلق بالحدود بين مصر وقطاع غزة، فيقول إنه سيقيم «مانعاً جنوبياً»، بالشراكة مع مصر بقدر الأمان، وبمساعدة الولايات المتحدة، ويحدد هدفاً لذلك هو منع التهريب من مصر إلى غزة. ويشمل معبر رفح ضمن الشراكة الإسرائيلية - المصرية.
وهنا يضع نتنياهو بنداً يؤكد فيه فرض سيطرة إسرائيلية أمنية على كل المنطقة الممتدة من البحر (المتوسط) إلى النهر (الأردن)، بما في ذلك غلاف غزة، برياً وبحرياً وجوياً، ويقول إن الهدف هنا هو منع تعاظم قوة الإرهاب وتصفية التهديدات لإسرائيل. ويضيف إلى ذلك جعل قطاع غزة منطقة منزوعة من السلاح ما عدا الحاجة إلى ضبط النظام الجماهيري. ويؤكد أن إسرائيل هي التي ستكون مسؤولة عن تطبيق هذا البند ومراقبة ذلك في المستقبل المنظور.
وتحت عنوان «المجال المدني»، يتحدث عن «إدارة ومسؤولية النظام الجماهيري بالاعتماد قدر الإمكان على عناصر محلية ذات تجربة إدارية، بحيث لا تكون هذه العناصر منتمية إلى دول أو تنظيمات مساندة للإرهاب ولا يقبضون رواتب منها». عملياً، يريد هنا نظاماً مختلفاً عن الضفة الغربية التي تتولى شؤونها المدنية السلطة الفلسطينية. الأمر الذي جعل الخبير الاستراتيجي، رون بن يشاي، يستنتج أن نتنياهو يريد حلاً مبنياً على «ثلاثة كيانات لشعبين»، لكي يستبعد حل الدولتين.
والبند الثاني في هذه الفقرة يتحدث عن خطة تربية وتثقيف للفلسطينيين؛ إذ «يتم الدفع بخطة لمنع التطرف في جميع المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية في قطاع غزة، وذلك يكون بمساعدة قدر الإمكان تقدمها دول عربية ذات تجربة في دفع خطط كهذه في بلادها».
وفي سبيل تصفية قضية اللاجئين من دون حل لها، يضع نتنياهو بنداً خاصاً يؤكد أن إسرائيل ستعمل على حل وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) في قطاع غزة واستبدال بها وكالات إغاثة دولية أخرى.
وأما إعادة إعمار غزة، فيؤكد نتنياهو أنه يتم فقط بمشاركة دول تقبل بها إسرائيل، وفقط بعد استكمال نزع السلاح وتنفيذ خطة التربية ضد التطرف. ويطرح هذا تساؤلاً ساخراً إن كان نتنياهو سيجري امتحاناً للشعب في غزة ليعرف مدى التغير في ثقافة الكراهية لإسرائيل.
والفقرة الأخيرة في خطة نتنياهو وُضعت تحت عنوان «المدى البعيد». وهي مؤلفة من خمسة أسطر يقول فيها ما لا يريد، ولا يطرح فيها أي فكرة إيجابية عن السلام ووضع حد للعداء. ويعيد فيها تكرار موقفه «رفض الإملاءات الدولية في قضية التسوية النهائية مع الفلسطينيين، والتأكيد أن مثل هذا الأمر يحدد فقط في المفاوضات المباشرة وبلا شروط مسبقة». ويؤكد أيضاً أن إسرائيل ستواصل رفضها الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية. ويقول إن مثل «هذا الاعتراف بُعيد مذبحة 7 أكتوبر (تشرين الأول) سيكون بمثابة منح جائزة جبارة للإرهاب لم يسبق لها مثيل، وسيؤدي إلى منع أي تسوية سلمية قادمة».
إن خطة نتنياهو هذه تبدو أساساً لمفاوضات ليست مع الفلسطينيين، بل مع حلفائه في اليمين المتطرف. فالسلام معهم هو ما ينشده لأنهم عماده الوحيد المضمون للبقاء في الحكم. وأما الرئيس بايدن، الذي طالبه بشكل حثيث بأن يفصح عن خطة حكومة إسرائيل لـ«اليوم التالي»، فقد أخذ منه نتنياهو ما يريد، وليقلع شوكه بيده.
وسارعت السلطة الفلسطينية إلى رفض هذه الخطة، وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة: «ما يطرحه نتنياهو من خطط الهدف منه هو استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ومنع إقامة دولة فلسطينية». وأضاف: «غزة لن تكون إلا جزءاً من الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وأي مخططات غير ذلك مصيرها الفشل، ولن تنجح إسرائيل في محاولاتها تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في قطاع غزة».