افتتاحية الاندبندنت
يريد الحزب القومي الأسكتلندي "وقف إطلاق النار بصورة فورية في غزة وإسرائيل". أما حزب "العمال" فيدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية". وتتمثل سياسة حكومة المحافظين [بشأن الحرب] في [السعي إلى تطبيق] "هدنة إنسانية فورية، وهذا اعتماداً على الاقتراحات التي قدمتها الأحزاب الأربعاء في 21 فبراير (شباط) خلال مناقشة مجلس العموم البريطاني الأخيرة للحرب في غزة، حيث من الممكن تلخيص مواقفها [الأطراف السياسية من هذه الحرب] بناء على ما تقدم."
قد يتساءل البعض كيف يمكن لهذه الاختلافات الطفيفة في العبارة والمعنى أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تداعي [جلسة النقاش في] مجلس العموم وسط حالة من الفوضى الكاملة. وكان الفشل الذريع في التصويت مبهماً ومأساوياً.
لقد خالف السير ليندسي هويل، وهو رئيس مجلس العموم، التقاليد وحاول إجراء عملية تصويت على مقترحات كل من الأحزاب الثلاثة، الأمر الذي سمح لكل الأطراف بالتعبير عن آرائهم المختلفة بشأن مسألة ذات أهمية وطنية. وكان ذلك يعني أيضاً، في بعض الحالات، أن في وسع الأعضاء أن يصوتوا بطريقة تتوافق مع وجهة نظرهم بشكل أدق، وتحميهم شخصياً من الضغوط الخارجية من الناخبين بشأن موقفهم.
وكان كاتب مجلس النواب قد حذر رئيس المجلس علناً من أن قراره ينطوي على خطر حرمان الحزب القومي الاسكتلندي من فرصة تصويت جميع النواب على مذكرته الجوهرية المطروحة في يوم المعارضة البرلماني.
لقد جازف السير ليندسي ومن ثم خذلته الحكومة بتغيير تكتيكاتها. وكانت النتيجة التي تمخضت عنها الجلسة هي حصول أزمة ثقة في رئيس البرلمان وتصرف أعضاء مجلس العموم بشكل جماعي على نحو سخيف يفتقر إلى الحكمة أمام عامة الناس.
وأدت المزاعم القائلة بأن حزب "العمال "قد هدد رئيس مجلس النواب بإقالته بعد الانتخابات [إن لم يلب رغبة الحزب] إلى تأجيج الخلاف. وكانت هذه هي أهم مسألة تفتق عنها الوضع المعقد. على الأغلب سينقذ السير ليندسي اعتذاره المذل من أن يكون الرئيس الثالث على التوالي، لمجلس العموم الذي يطيح به عملياً النواب في مدة تزيد قليلاً على عقد من الزمن، بيد أن سلطته قد عانت [ضربة موجعة].
ليس من المفترض أن تنتهي جلسات المناقشة في يوم المعارضة على هذا النحو، وعادة لا يحدث ذلك عندما يتركز النقاش على قضايا سياسية دنيوية لكن جذور المشاهد الهزلية [التي جرت في المجلس] لا يمكن العثور عليها لدى إرسكين ماي [الذي وثّق قواعد الإجراءات البرلمانية في كتاب شهير قبل نحو قرنين]، بل في غبار غزة وركامها. فهو يسلط الضوء، بشكل مؤلم، على مدى عجز البرلمان البريطاني عن التحدث بصوت واحد بشأن القضية المطروحة بشكل أكثر إلحاحاً وحيث الخلافات محدودة نسبياً.
وعلى رغم أن ذلك سيكون عبارة عن ابتكار دستوري جديد، يشكل نسخة معكوسة للاتفاقيات المعتادة، فلربما كان يتوجب على السياسيين أن يأخذوا بنصيحة الأمير ويليام ويدعوا ببساطة إلى "إنهاء القتال".
وقد يبدو من غير الواقعي، بعد الخلافات المريرة والانسحابات من قاعة البرلمان، أن نتوقع إجماعاً على أي جانب من جوانب السياسة في الشرق الأوسط. ولكن في واقع الأمر، تتفق الأطراف الرئيسة كافة فعلياً على وجوب تحقيق هدف حل "الدولتين". وفي تطور أحدث لهذه الصيغة القائمة منذ فترة طويلة، سيعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية عاجلاً وليس آجلاً، وفي أقرب وقت ممكن في بداية عملية السلام، وليس في نهايتها البعيدة.
إن التناقضات مع الحرب في أوكرانيا مفيدة أيضاً. فمنذ اليوم الأول للغزو الروسي، وبالفعل منذ الوقت الذي لاح فيه هذا الاحتمال الكئيب في الأفق للمرة الأولى، كان هناك اتفاق واسع النطاق بين الأطراف كلها على أن هذا العدوان الروسي لم يحصل رداً على استفزاز ما ولم يكن هناك مبرر له كما أنه غير قانوني. [وكذلك أقرّ الجميع] أنه ينبغي إرسال كل أشكال المساعدة إلى الأوكرانيين في أسرع وقت ممكن. وقد صمد هذا الإجماع في المملكة المتحدة، وتم وضع الخلافات الطفيفة حول السياسة جانباً.
أما الحرب في غزة فهي تسمم السياسة البريطانية، إذ يجري تصوير اليسار، بمعناه الواسع، بشكل مشوَّه على أنه مؤيد لفلسطين من دون قيد أو شرط (أو حتى مؤيد لـ"حماس" ومؤيد للإرهاب)، فيما يتم تصوير اليمين على أنه مؤيد لإسرائيل (أو حتى مؤيد للإبادة الجماعية). إن بعض الحجج [المطروحة] في البرلمان، وعلى الإنترنت، وفي التظاهرات تمثل نسخة محرّفة على نحو صادم لدوافع المعارضين وسياساتهم.
إنه لوضع خطير، ولا يعكس التوافق الفعلي الذي يمكن أن يوجد حول الوضع إذا سعى الناس إلى أرضية مشتركة. ومن دون هذه الجهود، سوف تستمر معاناة بريطانيا من تنامي نزعتي معاداة السامية وكراهية الإسلام، وسوف يعاني كل مجتمع [فيها] نتيجة لذلك. ولا ينبغي أن تكون الأمور على هذه الشاكلة، كما أن العادات العدائية المتبعة في البرلمان ليست ملائمة من أجل تخفيف هذه التوترات. وهي قد أدت في هذه المناسبة، بالفعل إلى تفاقم التوترات.
إن وجود درجة أكبر من الإجماع حول الرغبة في إنهاء القتال في غزة قد يساعد أيضاً اللورد كاميرون في جهوده الرامية لثني بنيامين نتنياهو عن شن هجوم بري على رفح يؤازره قصف جوي على حوالى مليون ونصف المليون شخص ممن يحتمون بالخيام والركام هناك. ويتفق الجميع على أنه سيكون هجوماً كارثياً [ولاسيما أنه سيستهدف أشخاصاً] حوالى نصفهم من الأطفال و[بينهم] العديد من الأيتام.
وحتى بعد مقتل 29 ألف شخص وكل الأهوال التي وقعت من قبل، بما في ذلك الفظائع التي ارتكبتها "حماس" في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يبدو من المرجح أنه سيكون هناك المزيد من الأهوال في المستقبل. سيقع مزيد من الخسائر بالأرواح، وستشوه [الحرب] المزيد من الأبرياء، وسيُحرم شطر أكبر من الأطفال من عائلاتهم.
في بعض الحروب، التي يصفها البعض بـ "العادلة"، هناك معنى لخسارة الأرواح، وتكون [هذه الخسارة] متكافئة، ومتوافقة مع المعايير الإنسانية الدولية، ومن أجل تحقيق أهداف معقولة للحرب. إن الحملة الإسرائيلية، إذا كانت [عادلة] على الإطلاق، فهي لن تستوفي أياً من تلك المعايير لإدارة الحرب [العادلة] إذا ما قصفت رفح لتدميرها عن بكرة أبيها.
إن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يمنحها الحق في تحدي القانون الدولي. إلا أن الأمر الأكثر أهمية، من وجهة نظر إسرائيل، هو أن مثل هذا الهجوم لن يجعلها أكثر أمناً. إن تسوية رفح بالأرض، أو أي مكان آخر، لن تضع حداً للإرهاب، ولن تساعد إسرائيل على تطبيع علاقاتها مع جيرانها.
ولعلنا نكون على يقين من أن المعركة المقبلة من أجل رفح ستدفع محكمة العدل الدولية إلى الاقتراب من إصدار حكم يدين دولة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. وما ستفعله تلك المعركة أيضاً هو تكثيف المعاناة، والمجازفة بتصعيد الصراع ونشره (كما حدث سلفاً)، وإحداث شرخ في علاقات إسرائيل مع أميركا والآخرين الذين وقفوا إلى جانب تل أبيب في أكتوبر.
وكما قال أمير ويلز "في بعض الأحيان، لا تنجلي أهمية السلام الدائم إلا عندما يدرك الحجم الهائل من المعاناة الإنسانية".
لقد حان ذلك الوقت بالتأكيد. وربما قد يجمع قادتنا السياسيون على ذلك.