بقلم: اميل أمين
هل يُشَكِّل الرئيس الأميركي جو بايدن مأزقًا لحزبه الديمقراطيّ على بعد عشرة أشهر حاسمة وحازمة من انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، أم أن الرجل الثمانيني يمثّل إضعافًا للولايات المتحدة الأميركية برمتها، ديمقراطيين وجمهوريين من دون أدنى تفريق؟
الشاهد أنه منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، وبعد انتخابات يشكّك فيها نحو 70 مليون أميركي، ويرون أنها كانت انتخابات مزوّرة، سرقت الولاية الثانية من ترامب، منذ ذلك اليوم والشرخ الاجتماعي يلاحق النسيج المجتمعي الأميركي عِرْقيًّا، وأيديولوجيًّا. وغالب الظن أن هذا الانقسام وإن خَفَّت وطأته في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أنه في غالب الأمر سيعاود الظهور مرة أخرى في الأشهر القليلة القادمة.
بالنسبة للحزب الديمقراطي، مؤكّد أنه في أزمة، وليس أدَلّ على ذلك من تصريحات نائبة بايدن، كمالا هاريس، بأنها مستعدة لخدمة البلاد حال تطَلَّبَ الأمر، ما يعني إذا تم إزاحة بايدن بسبب ظروفه الصحية والذهنية، تلك التي ترددت كثيرًا جدًّا في الأيام والأسابيع الأخيرة.
والمؤكَّد أنه إذا كانت هاريس قد تحدثت بالتلميح، فإن أصواتًا أخرى علت بالتصريح، ومنها صوت المدعي العام الجمهوري لولاية فيرجينيا الغربية باتريك موريسي، الذي طالب بتفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور الذي يُمَكِّن من عزل الرئيس لظروف صحية.
يبدو الديمقراطيون في مأزق فعلي في الوقت الراهن، والأحاديث تدور في الكواليس عن البديل، لاسيما مع تدهور القدرات العقلية لبايدن، وجُلُّهم يدرك أنه غير قادر على المضيِّ قدمًا حتى نهاية العام بتوازن عقلاني، فما بال الجميع بالبقاء لمدة أربعة أعوام أخرى في البيت الأبيض؟
هنا التساؤل يدور عن المرشَّح البديل، إذ يطرح البعض اسم "غافين نيويوم" حاكم ولاية كاليفورنيا، فيما الأكثرية ترجح اسم "ميشال أوباما"، زوجة الرئيس السابق باراك أوباما.
تبدو ميشال أكثر حظًّا، لكن الأمر سيؤكد اتهامات كثير من الجمهوريين لإدارة بايدن الحالية، حيث الكثيرون يقطعون بأن ولاية بايدن الحالية، ليست سوى ولاية ثالثة لباراك أوباما، وأنه هو الرجل الذي يقود البيت الأبيض في واقع الحال من وراء الستار، وبخاصة في ظل عدم المقدرة الفعلية من جانب بايدن لفهم تعقيدات المشهد الدولي، ومآلات السياسة الدولية الخارجية من جهة، وأزمات الداخل الأميركي من ناحية ثانية.
على الصعيد الداخلي، بدت أميركا – بايدن أقرب ما تكون إلى الاحتراب الأهلي، لاسيما بعدما جرى ويجري في تكساس، وعلى الحدود الأميركية مع المكسيك حيث تكاد الصدامات تجري بين القوات الفيدرالية التي تأتمر بأمر بايدن، وبين قوات الحرس الوطني في تكساس والتي انضمت إليها قوات مماثلة من أكثر من 12 ولاية.
بايدن متهم من حاكم ولاية تكساس "غريغ آبوت"، بأنه يُسَهِّل دخول المهاجرين غير الشرعيين، وهو اتهام يلقى خوفًا كبيرًا عند الأميركيين الواسب "البروتستانت الأنجلو ساكسون"، أولئك الذين يجدون أنفسهم يتراجعون عدديًّا لصالح الجماعات العرقيّة المغايرة، وفي المقدمة منها "الهاسبانيك"، أو سكان أميركا اللاتينية، والآسيويون وبقيّة شعوب العالم.
هل أصاب التيار الديمقراطي اليساري قلب أميركا البيضاء وتم تحميل بايدن فاتوة الأزمة؟ غالب الظن أن هذا ما جرت به المقادير بالفعل.
أخفق بايدن في تحقيق أهم وعد من وعوده الانتخابية، ذاك المتمثل في إعادة اللُّحمة بين جموع الأميركيين المتشارعين والمتنازعين، والناظر للشارع الأميركي اليوم، يكاد يقطع بأن المواجهات الشعبوية قاب قوسين أو أدنى.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تتراكم الديون، ويتزايد التضخم، ولا تبدو هناك علامات انفراجة على المدى القريب.
من أزمات الداخل إلى تقاطعات سياسات بايدن الخارجية، يدرك القارئ أن الرجل تسبب في ضعف واضح وربما فاضح للولايات المتحدة برمتها، وفي أكثر من جبهة من جبهات العالم الخارجي، الأمر الذي أدى إلى القول: "إن حلفاء أميركا لم يعودوا يثقون فيها، كما أن أعداءها لم يعودوا يرهبونها، بل لا يقيموا لها وزنًا كبيرًا في العبارة الدولية".
أكثر من ملف من الملفات الخارجية، بدا بايدن من خلالها وكأنه غير قادر على التمييز بين حلفاء أميركا وأصدقائها، وبين مناوئيها وأعدائها، فقد أطلق تصريحات غير عقلانية ومُنْبَتَّة الصلة بعالم الدبلوماسية، تجاه بعض من أثبت التاريخ أنهم أوفى وأخلص المقرّبين لواشنطن، والذين عملوا كعون وسند طوال عقود المواجهة مع حلف وارسو.
وعلى الرغم من أنه عاد لاحقًا، في محاولة لتصويب المسار، فإن هناك ما عَلِقَ في النفوس ولا يزال، الأمر الذي اختصم من رصيد النفوذ الأميركي، وفَرَّغَ الكثير من مربعات قوة الصداقة، وموثوقية الشريك الأميركي.
يحاجج الكثيرون في الداخل الأميركي اليوم بأن بايدن حكمًا أدى إلى إضعاف الولايات المتحدة بشكل كبير على أكثر من مدار ومسار.
يمكن القطع بأن سياسة بايدن الخارجية تجاه إيران، وهي سياسة استرضائية بامتياز، قد أدت إلى تعاظم الخطر الإيراني في الخليج العربي ومنطقة البحر الأحمر والشرق الأوسط.
استهل بايدن ولايته بمحاولة العودة إلى درب الاتفاق النووي مع طهران، ثم مجاملة إيران من خلال رفع أسماء بعض وكلاء حربها مثل الحوثيين من قوائم الإرهاب بحسب الخارجية الأميركية ... ماذا كانت النتيجة؟
بلا شك باتت إيران تتلاعب بالعديد من المقدرات الجيوسياسية في المنطقة، وتعرضت المصالح الأميركية ولا تزال للخطر، ووصل الأمر إلى اختطاف رهائن أميركيين كما هو الحال من جانب حماس في غزة.
وبين كل هذا وذلك، لا يريد بايدن أن يأخذ قرارًا حاسمًا حازمًا تجاه الإيرانيين، خوفًا من الدخول في مواجهة شاملة معهم، الأمر الذي يفهمونه على أنه ضعف أميركي، ويفتح لهم المجال لمزيد من الانتشار وتنفيذ أجنداتهم في الحِلّ والترحال.
من بين الاتهامات التي تُوَجَّه لسياسات بايدن الخارجية، إخفاقه في مواجهة روسيا وشطحاتها، سواء على البَرّ أو خارج الكوكب.
أمّا على البَرّ، فيكفي المرء النظر إلى التراجع الذي أَلَمَّ بقوات زيلينسكي والخسائر التي أصابت أوكرانيا، والتي تبدو عاجزة أمام هجمات القيصر.
وفي الفضاء الخارجي، تكاد قصة "سلاح اللحظة الأخيرة"، التي كثر الحديث عنها مؤخَّرًا، تشي بأن موسكو باتت بالفعل تنشر صواريخها النووية في الفضاء الخارجي، وهي قصة خطيرة ومثيرة لو ثبتت حقيقتها مرة واحدة.
البطن الرخوة الأميركية، تتجلى أيضًا في علاقة واشنطن ببكين، حيث باتت الأولى عاجزة عن إيقاف مشروعات الصين الدولية والتي تكفل لها المزيد من التنافسية، ولا يملك بايدن سوى أوامر تنفيذية لمحاربة الصين تجاريًّا، في حين تجد بكين تدفّقات ماليّة من أرجاء أخرى حول العالم، تمتلك من المقدّرات المالية ما يعوض عقوبات واشنطن، مقدرات قوى فقدت الثقة في واشنطن.
هل سيراهن الديمقراطيون طويلاً على بايدن أن وقت تواريه بعيدًا عن الأضواء قد حان مثلما فعل الرئيس ليند بنز جونسون ذات مرة؟
عن موقع العربية