بقلم: يوسي ميلمان
في الأسبوع الماضي تم إرسال إشارات تحذير من واشنطن للمشروع النووي الإسرائيلي. كشفت "واشنطن بوست" أن الإدارات الأميركية منذ بضعة عقود لا توفر للسياسة النووية الإسرائيلية حماية سلبية فقط، بل أيضاً حماية ناجعة. تتمثل الحماية السلبية بقبول "سياسة الغموض" التي بحسبها إسرائيل لا تؤكد على أنه يوجد لديها سلاح نووي، كما يعتقد العالم، مع عشرات الرؤوس الحربية والقنابل من كل الأنواع، التي تم تركيبها على طائرات وصواريخ وغواصات. تتمثل الحماية الناجعة في توجيه رئاسي سري منذ ربع قرن تقريباً، يحظر على الموظفين التأكيد أنه يوجد لدى إسرائيل سلاح نووي.
كتَب المقال خبراء في موضوع انتشار السلاح النووي مثل الدكتور وليام بار، المؤرخ والمحلل الكبير في الأرشيف الوطني الأميركي، وريتشارد ليفليس، موظف كبير سابق في إدارة عمليات الـ"سي.آي.إيه" المسؤول عن عملية متابعة جهود كوريا الشمالية في السبعينيات لتطوير السلاح النووي والعثور على شبكة التهريب للدكتور عبد القدير خان، "أبو القنبلة النووية في باكستان"، الذي قام ببيع تكنولوجيا المعلومات النووية لإيران وليبيا في عهد معمر القذافي، والـ"سي.آي.إيه" قامت بكشف هذه الشبكة. الثالث هو هنري سوكلسكي، مدير معهد التعليم لسياسة عدم انتشار السلاح النووي وكان في السابق موظفاً رفيعاً في البنتاغون ومستشاراً في الـ"سي.آي.إيه".
في هذا المقال تم اقتباس تصريحات وزير التراث عميحاي إلياهو الذي دعا إلى قصف غزة بقنبلة نووية، وعضو الكنيست تالي غوتلب التي حثت الحكومة على فحص استخدام هذا السلاح ضد "حماس". كثيرون في إسرائيل يستخفون بهذه التصريحات عديمة المسؤولية، التي جاءت من هوامش اليمين. ويعتبرون هؤلاء المتحدثين سياسيين هاذِين. لكن في الولايات المتحدة ودول أخرى ينظرون إليها بجدية. فبالإجمال هؤلاء يعتبرون منتخبي جمهور ويتولون مناصب رسمية في الحكومة والكنيست. "في التطرق للأخطار المتزايدة لانتشار السلاح النووي، وأسوأ من ذلك استخدامه، واستمرار فرض الرقابة الذاتية على مخازن السلاح النووي في إسرائيل، هذا ليس فقط غريباً بل هو أيضاً يتسبب بالضرر"، جاء في المقال.
معهد سوكلسكي قام قبل شهر بإجراء لعبة – حرب نووية بين إسرائيل وإيران. في هذه اللعبة التي لم تكن سرية، إسرائيل أطلقت 51 قنبلة نووية على دفعتين ضد إيران. وإيران ردت بهجوم نووي على إسرائيل. "فجأة، في أعقاب ذلك، عدم اليقين الإستراتيجي كان أكبر بكثير مما سبقه" (قبل استخدام السلاح النووي)، جاء في المقال.
منذ قررت حكومة دافيد بن غوريون وحكومة ليفي أشكول وضع إسرائيل - بمساعدة فرنسية سرية، حسب وثائق أجنبية من جنوب إفريقيا وبريطانيا والنرويج، وعمليات شراء سرية وسرقة - على المسار النووي، فإن كل حكومات إسرائيل عرفت كيفية إخفاء نشاطاتها وتجنب أي نقاش عام. سياسة الغموض النووية، التي من مهندسيها شمعون بيريس، هي قرار إستراتيجي لامع ومهم بالنسبة لإسرائيل. هذه السياسة ساعدت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وأيضاً روسيا والصين، على صد الضغوط من قبل دول عربية وإسلامية، وفي الواقع معظم دول العالم، التي طلبت فرض رقابة على المفاعل النووي في ديمونة، وإجبار إسرائيل على التخلص من السلاح النووي المنسوب لها.
هذا الأمر برز بشكل خاص على خلفية ما ظهر كعلاقة مميزة تجاه إيران مقارنة بإسرائيل. لا يوجد لطهران حتى الآن سلاح نووي، رغم أنها قريبة جداً من ذلك. مع ذلك، إيران يطلب منها مرة تلو الأخرى تقليص مشروعها النووي وإخضاعه للرقابة الصارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية. المقاربة المتساهلة مع إسرائيل نبعت من الاعتراف بأنها ديمقراطية، وحكوماتها تحظى بالحذر والحكمة والمسؤولية في كل ما يتعلق بالمشروع النووي، أيضاً هي تستعين برقابة صارمة على وسائل الإعلام في إسرائيل. في المقابل، إيران هي دولة شريعة إسلامية، دكتاتورية، زعماؤها يهددون بالقضاء على دولة إسرائيل. قبل عشرين سنة قال الرئيس السابق (المعتدل) هاشمي رفسنجاني: إن كل ما هو مطلوب من أجل القضاء على دولة إسرائيل قنبلة نووية واحدة.
لكن مؤخراً، تقلصت الفجوة في التعامل الدولي تجاه إيران وإسرائيل، التي تتدهور حتى حافة دولة "مجذومة" وتتم مقاطعتها. قبل سنة تقريباً، في فترة الانقلاب النظامي، نشرت مقال في 21/3/2023 بعنوان "في ظل أزمة دستورية من الذي يضمن بأن السلاح النووي يوجد في أيدٍ أمينة؟". المقال اعتمد على محادثات مع موظفين أميركيين وأوروبيين، الذين عبروا عن تخوفهم، وحتى ذعرهم، من أن عدم الاستقرار في إسرائيل سينزلق أيضاً إلى هذه القضية القابلة للانفجار.
النداءات في مقال "واشنطن بوست" لإجراء نقاشات حول السلاح النووي الموجود كما يبدو لدى إسرائيل، التي تنطلق من قلب المؤسسة الأمنية والسياسية الأميركية (خلافاً للطلبات السابقة التي كان مصدرها هوامش اليسار الراديكالي المناهض لإسرائيل في أميركا)، هي ليست فقط وليدة الحرب في قطاع غزة. وهي أيضاً تعبير عن قلق الولايات المتحدة والدول الأوروبية من تصرفات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتصرفات حكومة اليمين المتطرفة التي يترأسها في السنة الأخيرة.
لا يطالب المقال بفرض رقابة دولية على مشروع إسرائيل النووي، وبالتأكيد ليس تفكيكه.. يجب الأمل بأن هذا أيضاً لن يحدث. لكن هذا المشروع وما يختفي وراءه يجب أن يضع إشارة تحذير أمام نتنياهو وجهاز الأمن ولجنة الطاقة النووية، التي بحسبها أيضاً قضية النووي الإسرائيلي أخذت تفقد الحصانة التي تمتعت بها منذ ستين سنة تقريباً، وهناك خشية من أن هذا التابو الأخير سيتم اختراقه.
عن هآرتس