مقالات مختارة

استقالة الحكومة الفلسطينية في سياق لَيّ الأذرع بين واشنطن وإسرائيل

 

بقلم: تسفي برئيل

الاستقالة الرسمية لرئيس الحكومة الفلسطينية محمد إشتية هي خطوة أولى قبل استجابة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للضغوط الأميركية الثقيلة من أجل طرح سلطة فلسطينية "محدثة".
واتفاق مبدئي على الهيكلية الجديدة تم إحرازه قبل أسبوعين تقريباً عندما قام عباس بزيارة الدوحة، عاصمة قطر، وعرض على حاكم قطر الشيخ تميم إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراط، التي طرحت بعد ذلك على قيادة حماس الخارج.
التقدير هو أنه حتى نهاية هذا الأسبوع فإن عباس سيشكل حكومة جديدة برئاسة رئيس هيئة الاستثمارات الفلسطينية محمد مصطفى، الذي حسب معرفتنا حظي بمباركة واشنطن.
فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط، غير متماهية مع الفصائل، طرحت في السابق في كانون الأول من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي اقترح أن تكون هذه الحكومة مؤقتة، وتدير الأجهزة المدنية في غزة بعد الحرب وتقوم بالإعداد للانتخابات البرلمانية.
هذا الاقتراح تم حفظه خلال أيام في أعقاب الرد الشديد لعباس، الذي خشي من أن هذه الخطوة تستهدف بالأساس إبعاده عن منصبه أو التقليص بصورة عميقة من مكانته كرئيس تنفيذي.
لكن في الأشهر التي مرت منذ ذلك الحين ازداد الضغط الأميركي على عباس لتنفيذ إصلاحات في السلطة الفلسطينية، التي أهمها هو تقليص صلاحيات عباس نفسه، ونقل جزء كبير منها إلى نائب سيقوم بتعيينه أو إلى رئيس حكومة جديد الذي هو أيضاً سيقوم عباس بتعيينه حسب صلاحياته الدستورية.
إذا تم تعيين محمد مصطفى حقاً في منصب رئيس الحكومة، وحتى إذا قام بتشكيل حكومة يمكن اعتبارها حكومة تكنوقراط، فإنه لا يزال من غير الواضح ما هي صلاحياتها وإلى أي درجة يمكنها العمل بشكل مستقل ومنفصل عن مصدر صلاحياتها، م.ت.ف، أو عن توجيهات عباس نفسه.
أي، هل هذه الحكومة الجديدة يمكنها تلبية المعايير التي وضعتها الإدارة الأميركية من أجل أن تستطيع عرض الحكومة الفلسطينية كجسم مقبول عليها لإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحصل على دعم الإدارة وتستفيد من المساعدات المالية، وبالأساس حكومة تستطيع الولايات المتحدة فرضها على إسرائيل.
في المقابل، قيادة حماس التي في شهر كانون الأول عارضت بشدة تشكيل حكومة تكنوقراط، التي تعني بالنسبة لها التنازل عن السيطرة المدنية في غزة، أعلنت يوم الجمعة الماضي أنها توصلت إلى تفاهمات مع الفصائل الفلسطينية الأخرى حول تشكيل حكومة التكنوقراط.
حتى قبل ذلك أعلن موسى أبو مرزوق أن "حماس لا تطمح إلى الحكم في غزة كهدف بحد ذاته. منذ فترة طويلة نحن نطلب من السلطة الفلسطينية أن تقوم بدورها في القطاع. لكن يوجد لنا طلب واحد وهو عدم التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني".
لكن إعلان المتحدث بلسان حماس في بيروت، أسامة حمدان، عن التفاهمات التي تم التوصل إليها بين حماس والفصائل الفلسطينية حول تشكيل حكومة الخبراء، جعل قيادة فتح تهب، وأن يعلن المتحدث بلسانها عبد الفتاح دولة أنه "لن يتم تشكيل حكومة فلسطينية خارج رعاية م.ت.ف، باعتبارها مصدر السلطة الدستورية للفلسطينيين".
أول من أمس، عندما أصبح من الواضح أن أيام الحكومة الفلسطينية أصبحت معدودة، قال مصدر في حماس: "نحن لا نهتم بما يقوم به محمود عباس. محمد إشتية سيرحل ومحمود عباس سيأتي بفاسد أكبر منه".
في هذه الأثناء قال متحدث بلسان حماس، وليد الكيلاني، لوكالة "العالم العربي" إن هذه الخطوة (استبدال رئيس الحكومة) تعبر عن موافقة السلطة الفلسطينية على الطلب الأميركي، ما لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني ولا يساعده في الحصول على حقوقه.
بالتالي، ستكون مشكلة صعبة لحماس عند تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، إذا حصلت هذه الحكومة على مباركة واشنطن؛ لأنها تعني تحييد حماس عن عملية اتخاذ القرارات السياسية في الساحة الفلسطينية وتأجيل النقاشات حول المصالحة الفلسطينية الداخلية وانضمام حماس لـ م.ت.ف، وهي الخطوة الأخيرة التي بقيت أمام قيادة حماس كي تحافظ لنفسها على مكانة في تشكيل مستقبل فلسطيني.
هذه الخطوة تخلق أيضاً صعوبة أمام خصوم عباس في م.ت.ف، لا سيما جماعة كبار المستقلين مثل ناصر القدوة ومحمد دحلان، الذين يطمحون إلى إقصاء عباس عن المنصب وتشكيل م.ت.ف جديدة تكون حماس وفصائل فلسطينية أخرى أعضاء فيها.
هذه الحكومة الجديدة ستكون في الواقع مع تفويض مؤقت فقط، وإذا تم الإجماع عليها فإن هذا الأمر سيمكنها من البدء في إدارة غزة، وبعد ذلك الإعداد لإجراء الانتخابات للرئاسة الفلسطينية والمجلس التشريعي. ولكن القيادة الفلسطينية تعلمت أنه لا يوجد أمر ثابت أكثر من المؤقت.

ليّ الأذرع
ليس فقط واشنطن يجب أن تقتنع بقبول هذه الحكومة الفلسطينية الجديدة.
حزام الدعم العربي الذي يتكون من السعودية وقطر ومصر والأردن هو أيضاً يجب أن يعطي هذه الحكومة خاتم الشرعية من أجل ألا تبدو من صناعة أميركا.
بذلك هي غير شرعية، بل كحكومة متفق عليها من قبل الأطراف العربية ذات العلاقة. الموافقة العربية – الأميركية حيوية أيضاً من أجل أن تفرض على إسرائيل الموافقة على إدارة غزة من قبل حكومة فلسطينية. ولكن معنى ذلك بالنسبة لإسرائيل هو أن الضفة الغربية والقطاع ستتم إدارتهما من قبل سلطة واحدة، والتحطم النهائي للاستراتيجية التي وضعها بنيامين نتنياهو، التي قامت برعاية مبدأ دولتين لشعب فلسطيني واحد، وفصلت بشكل ناجح قطاع غزة عن الضفة الغربية.
هذه الاستراتيجية كانت حيوية من أجل ترسيخ ادعاء إسرائيل أنه لا جدوى من إجراء المفاوضات على اتفاق سياسي مع السلطة الفلسطينية، ليس لأنها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، بل لأنها أيضاً لا تسيطر على كل أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية.
إن إحباط سيطرة حكومة فلسطينية متفق عليها في غزة هو شرط ضروري لمواصلة وجود هذه الاستراتيجية، ووقف الجهود السياسية الأميركية والعربية للدفع قدماً بخطوات لحل سياسي شامل.
صحيح أنه خلافاً للذعر المصطنع الذي أثاره نتنياهو عندما بادر إلى التصويت على القرار الأجوف بشأن معارضة إقامة دولة فلسطينية بشكل قسري، فإن الإدارة الأميركية لا تنوي فرض أي حل سياسي على إسرائيل. لكن قلق إسرائيل هو من القاموس السياسي الجديد الذي تتبناه واشنطن، إخراج مفهوم "حل الدولتين" من الخزانة ووضعه على الطاولة كرؤية عملية، وتصريح وزير الخارجية الأميركي بأن المستوطنات تخرق القانون الدولي، ومعارضة الولايات المتحدة احتلال غزة من قبل إسرائيل، إلى جانب الدفع قدماً ببديل فلسطيني لإدارة القطاع.
كل ذلك يحول معارضة إسرائيل لحكومة فلسطينية "محدثة"، التي ستدير القطاع، إلى خطة عمل استراتيجية، بصرف النظر عن رئيسها والأعضاء فيها.
اسرائيل يمكنها في هذه الأثناء أن تستند إلى الكوابح التي وضعتها السلطة الفلسطينية على نفسها في طريقها إلى غزة.
في تصريحاته الكثيرة أوضح محمود عباس أنه مستعد لتحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة، لكن فقط في إطار عملية شاملة تستهدف تحقيق حل سياسي.
والسؤال الذي لا يوجد له حتى الآن أي جواب هو ما هي شروط الحد الأدنى السياسية التي سترضي عباس، هل عقد مؤتمر دولي على صيغة مؤتمر مدريد سيرضيه في المرحلة الأولية؟ هل سيطالب باعتراف في مجلس الأمن بالدولة الفلسطينية حتى قبل إجراء المفاوضات على حدودها؟ وما هو تفسير الالتزام الذي لا رجعة عنه بإقامة دولة فلسطينية التي لا يطالب هو وحده بإقامتها، بل السعودية أيضاً؟.
الكابح الأخير يتعلق بالتطورات في قطاع غزة وقدرتها، ولا يقل عن ذلك أهمية رغبة الحكومة الفلسطينية في القيام بدورها في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب في غزة قائمة، وحماس تمتلك القدرة على إحباط نشاطات مدنية حتى لو لم تكن تسيطر على أجهزة الإدارة المدنية.
هذه لا تعتبر عقبات لا يمكن تجاوزها، لكن إبعادها مرهون قبل أي شيء آخر بوقف إطلاق النار وصفقة متفق عليها لتبادل للمخطوفين، وبالأساس ليّ الأذرع بين واشنطن وإسرائيل.

Loading...