مقالات مختارة

الطريق إلى الصفقة: كيف فقدت إسرائيل أوراق المساومة؟

 

بقلم: روني بيرغمان

قبل ثلاثة أشهر بالضبط، في تشرين الثاني من العام الماضي، بدأت جساسات الاستخبارات الإسرائيلية تطلق إشارات تحذير. في "حماس" يوجد تردد حول استمرار مخطط إطار صفقة التبادل، قيل في التحذيرات. في "حماس" يبحثون مسألة ما الذي ستربحه المنظمة من استمرار وقف النار، حيال تحرير نساء محجوزات في زنازين المنظمة أو في الشقق الخاصة التي أودعتهن فيها "حماس" وتشهد على أيام وليال من الكوابيس التي اجتزناها.
في وقت لاحق، أدى تردد "حماس" هذا إلى تفجير المفاوضات. من ناحية إسرائيل تبقى في قائمة الصنف الذي لمسته الصفقة الأولى من نساء وأطفال، 15 امرأة وطفلان، أبناء عائلة بيبس.
في الليلة الأخيرة من كانون الأول، الليلة الأخيرة لوقف النار، تلقت إسرائيل القائمة الأخيرة من ناحية "حماس"، جثث قالت "حماس"، إنها جثث عائلة بيبس (الموضوع لم يثبت أبدا)، أب العائلة الذي على قيد الحياة، وبضعة كبار في السن، مرضى أو جرحى آخرين. أعلنت المنظمة أنها لا يمكنها أن تحرر باقي النساء، وادعت بأنهن لسن تحت سيطرتها. في الجيش وفي أسرة الاستخبارات كانوا يعرفون أن هذا كذب. "حماس" تخشى، هكذا حسب مصادر استخبارية مطلعة، مما سترويه النساء مع عودتهن.
في أسرة الاستخبارات أصروا على انه لا يمكن ترك النساء والانتقال إلى صنف آخر. إسرائيل أعلنت بأن "حماس" تخرق الاتفاق، وعاد الوفد الإسرائيلي من الدوحة. وقف النار خرقه الطرفان في الصباح. ليلة أول من أمس، كشفت الـ"نيويورك تايمز" عن الموافقة الإسرائيلية في مؤتمر باريس، الأسبوع الماضي، على تنازلات واسعة في كل ما يتعلق بتحرير السجناء الفلسطينيين. إسرائيل قبلت الاقتراح الأميركي بدلا من نسبة 1 إلى 3، نسبة 1 إلى 10 – 40 مخطوفا مقابل 397 سجينا فلسطينيا، و15 يعتبرون من الوزن الثقيل. واتفق شفويا بين المتفاوضين أن تختار "حماس" أولئك الـ 15. 3 لكل مجندة محررة، "وينبغي الافتراض بأنهم لن يختاروا نشالين أو كتبة شعارات على الحيطان"، على حد قول أحد المطلعين على المفاوضات. ولن تكون مخاطرة الرهان على أن يكون هؤلاء هم الأسوأ بين القتلة، وبالتأكيد بعضهم من الرفاق المقربين للسنوار من قيادة "حماس" في السجن ممن لم يتحرروا في صفقة شاليت وقبّل أقدامهم عندما خرج من السجن ووعد بدموع حقيقية بأنه سيفعل كل شيء لتحريرهم.
هؤلاء الـ 15 هم الذين جعلوا نتنياهو يشترط تحرير "الثقيلين" بنفيهم إلى الدوحة. نتنياهو يفكر كيف سيشرح منظر القتلة وسيحاول إيقاع الملف على أكتاف شريكته السابقة في تمويل حكومة "حماس" – قطر.
هذه الصفقة التي تضمن تحرير 40 إسرائيليا منهم خمس مجندات من المشكوك جدا أن تكون "حماس" توافق على الإطلاق البحث فيهن هذه المرحلة، وإذا ما تحققت فإنها ستنقذ حياة 40 إسرائيليا كل يوم يضع حياتهم في خطر شديد.
مرت ثلاثة اشهر من اللحظة إياها التي اتخذ فيها القرار الصعب، لكن كان يبدو في حينه معقولا جدا، الأمر الذي ليس مؤكدا قوله عن الكثير جدا من القرارات التي اتخذت في الحكومة، ولاحقا في جهاز الأمن أيضا. في الأشهر الثلاثة التي انقضت، والتي تحطم فيها على ارض الواقع غير قليل من الآراء، الأماني، إن لم تكن الخيالات الحقيقية، إلى جانب التزويرات إن لم تكن الأكاذيب الحقيقية التي عرضت على الجمهور وكتبنا عنها غير مرة. في التحقيق الحقيقي للحرب يجب أن يبقى مكان خاص لتلاعبات حرب المعلومات والأحابيل الإعلامية لمحافل الحكم والأمن المختلفة على الجمهور الإسرائيلي والشكل الذي كانت فيه محافل في وسائل الإعلام بوقا لها.
والزمن ينقضي ويتبين انه لا يمكن في الوقت نفسه هزيمة "حماس" وتحرير المخطوفين، لا يمكن تحقيق هدفي الحرب ولا يمكن إلا واحد منهما – التحرير، وهذا أيضا من خلال صفقة وليس حملة على نمط عنتيبة. تمر الأشهر ويتبين أن المعادلة التي تقول، إن الضغط العسكري فقط سيحقق الصفقة، معادلة لم تكن صحيحة منذ البداية، تعمل بالعكس بالضبط – كلما مر الوقت شدد السنوار شروطه، وفي هذه الأثناء يتعرض المخطوفون لخطر جسيم. في هذه الأثناء أطلقت في الهواء أكاذيب أخرى. في وسائل الإعلام الدولية، في المناطق التي كانت بين القليلة التي أيدت نتنياهو في الانقلاب النظامي قالوا، إن إسرائيل قررت بالقطع في مفاوضات القاهرة بأن خمسين مخطوفا ليسوا على قيد الحياة. هذا الحدث لم يحصل أبدا – هو مختلف جوهريا عن الصورة الاستخبارية لدى إسرائيل وينفيه نفيا باتا من هم مطلعون على ما جرى في القاهرة كما أنه ليس معقولا – فلماذا تساعد إسرائيل "حماس" في المفاوضات وتقول، إن أحدا ما مات. "حماس" مسؤولة عن كل المخطوفين على قيد الحياة، هكذا هو موقف إسرائيل.
إذاً، لمن كانت مصلحة أن يروى للعالم بأنه يوجد مخطوفون اقل على قيد الحياة لأجل تقليص حجم وأهمية الصفقة؟ ربما لمن روى في إسرائيل أن السنوار مضغوط لعقد الصفقة قبل رمضان. مضغوط؟ بسبب العيد؟ لأنه لم يتمكن بعد من الطبخ وإجراء المشتريات قبل الصيام؟ إسرائيل مضغوطة بسبب رمضان خوفا من انفجار عنف واسع، ربما وبما في ذلك في الحرم. لكن السنوار – تضغطه أمور أخرى تماما سرعان ما سنصل إليها. ولعل تلك الجهات المجهولة التي نشرت في وسائل الإعلام الأنباء الكاذبة عن التفاؤل الشديد الذي يسود المفاوضين عنها وانه يوجد اختراق والوضع جيد، فقط كي تعود "حماس" مع جواب سلبي على اقتراح واضح أنها لن تقبل به كما هو وهكذا يمكن اتهامها بتفجير المفاوضات. من جهة إسرائيل، ستتهم "حماس" بأن كل شيء بسببها، ومن جهة أخرى – حظر رئيس الوزراء على طاقم المفاوضات في باريس الأولى وفي القاهرة أيضا وفي باريس الثانية أن يجري مباحثات بل إن يستمع فقط. وبعث حتى بأحد مساعديه الموالين، اوفير بالك كي يراقب ويتأكد أن أحدا من الإسرائيليين لا يبحث في التفاصيل.
من جهة ثالثة، تعتقد محافل مطلعة في محيط نتنياهو بأنه يفعل كل شيء كي يحبط الصفقة ويراوغ مع الرأي العام في كل الوسائل التي تحت تصرفه في أنه حتى لو جاءت الصفقة فإنه سيرفضها، وإذا ما سرب الأمر فإنه سيعرض الجميع كمنهزمين ليسوا مستعدين لأن يقاتلوا ضد "حماس" حتى النصر المطلق.
في السطر الأخير – الجيش الإسرائيلي عالق في غزة. المخطوفون يذوون. الجمهور الإسرائيلي مغرق بمعلومات زائفة أو كاذبة.

 

عن يديعوت أحرونوت

Loading...