بقلم: أوري بار يوسف
تاريخ دولة إسرائيل مليء بالحالات التي كان مطلوبا فيها من القادة الاختيار بين التنازلات التي أضرت بقدرة الدولة على الدفاع عن نفسها، والترتيبات التي هدفت إلى تقليص دافعية العرب لشن الحرب ضدنا. حتى العام 1967 التنازلات المطلوبة لإنهاء النزاع – الانسحاب إلى حدود التقسيم وإعادة اللاجئين العرب – كانت ضارة حقا بصورة وأمن الدولة. إسرائيل لم يكن بإمكانها قبولها. احتلال المناطق في حرب الأيام الستة منح إسرائيل ذخرا كبيرا، وكان يمكن مبادلتها باتفاقات سلام مع الدول العربية. خلال بضع سنوات هذا الخيار تحول إلى خيار واقعي.
أول من وقف في الدور هو الملك حسين، ملك الأردن. مقابل إعادة الضفة الغربية إلى مملكته كان مستعدا للذهاب بعيدا. بعد ذلك، حتى قبل حرب يوم الغفران، كانت مصر مستعدة للاعتراف بإسرائيل وإنهاء النزاع والموافقة على تقديم تنازلات لتجنب حرب أخرى. بعد الحرب، انضم أيضا الرئيس السوري حافظ الأسد وأوضح بشكل علني بأنه سيكون مستعدا لإنهاء النزاع إذا قامت إسرائيل بالانسحاب من هضبة الجولان. في عملية أوسلو، وافق ياسر عرفات على إنهاء النزاع مقابل الانسحاب من الضفة الغربية ومن قطاع غزة. ها هو منذ عشرين سنة موضوع أمام إسرائيل اقتراح السلام للجامعة العربية من اجل إنهاء النزاع مقابل الانسحاب من المناطق التي تم احتلالها في العام 1967.
في الفترة الأخيرة، على خلفية الحرب التي أعادت القضية الفلسطينية إلى مركز المنصة، أخذت تتبلور خطة جديدة للولايات المتحدة، في مركزها لا يقف فقط وقف إطلاق النار وإعادة المخطوفين وإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية تمكن من إعادة السكان إلى بلدات الغلاف والى الحدود الشمالية، بل تشمل أيضا التوقيع على اتفاقات سلام مع دول عربية، على رأسها السعودية، وبلورة محور عربي – إسرائيلي برعاية أميركية أمام تهديد توسع ايران وحلفائها. هذه العملية هي الأكثر أهمية لأمن إسرائيل منذ التوقيع على اتفاق السلام مع مصر في 1979، وحجر الزاوية الأساسي لهذه العملية هو رفض بنيامين نتنياهو إظهار أي استعداد للتقدم نحو حل الدولتين.
من هنا، نريد العودة إلى القرارات المصيرية السابقة. في 1937 وافق دافيد بن غوريون على التنازل عن حلم ارض إسرائيل الكاملة، واقنع أصدقاءه رغم معارضة اليمين واليسار الشديدة بالموافقة على خطة بيل، التي عرضت دولة يهودية على مساحة 20% من البلاد، وذلك من اجل إنقاذ يهود أوروبا من كارثة على وشك الوقوع. في 1948 كان بن غوريون هو المسؤول عن اتخاذ قرار تاريخي، الإعلان عن إقامة الدولة، رغم الضغط الأميركي للانتظار، وتهديد غزو العرب، وأصدقائه في القيادة الذين قفزوا على هذين الأمرين. في 1978 قرر مناحيم بيغن التنازل عن كل شبه جزيرة سيناء والموافقة على خطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة – التنازل المناقض لرؤيته، لكنه عزز أمن الدولة.
دولة إسرائيل آخذة في الاقتراب من وضع فيه سيكون مطلوبا اتخاذ قرار مصيري مشابه، قرار بن غوريوني. من جهة، إنهاء النزاع وتعزيز التحالف مع الأميركيين وإعطاء شرعية جديدة لإسرائيل في الرأي العام الدولي وإنهاء الاحتلال الذي يعتبر عبئا أمنيا من الدرجة الأولى. من جهة أخرى، استمرار الاحتلال بطابع "الابرتهايد" وزيادة قوة النزاع الذي اصبح ثمنه واضحا في الأشهر الأخيرة، وأزمة كبيرة في العلاقات مع الولايات المتحدة وعزلة دولية أمام التهديدات الآخذة في الازدياد. بالنسبة لأي وطني إسرائيلي فإن الاختيار هو بين أن تكون ثريا ومعافى أو فقيرا ومريضا. بن غوريون لم يكن ليتردد. لكن ما ينقصنا الآن اكثر من أي شيء آخر هو زعامة من هذا النوع.
بني غانتس، صاحب الكراج الذي يضم 40 مقعدا، يوجد له حلم وهو "إدارة النزاع". لكن لا توجد لديه الشجاعة والقدرة على اتخاذ قرار حاسم في لحظة تاريخية. وهو يعرف كيف يهب للمشاركة في تحمل العبء عندما يحتاج الأمر، لكن يبدو أنه سيخرج من هناك فقط إذا قاموا بطرده. في سلم أولويات يائير لابيد، موضوع النزاع يوجد في الخلف. فهو يعرف كيف يدفع الضريبة الكلامية لحل الدولتين، لكن فقط عندما ستنضج الظروف لذلك في الرأي العام. معالجة المشكلات الأمنية لم تكن في أي يوم هي جانبه الأقوى. الاحتمالية الوحيدة هي غادي آيزنكوت ويائير غولان. الأول هو رئيس أركان ناجح، والثاني نائبه. وقد قاما بمراكمة رصيد كبير في الأشهر الأخيرة في أوساط الجمهور. هما بسبب قوة شخصيتهما وسجلهما الشخصي يمكنهما تثبيت الرأي العام الذي تحرك باتجاه اليمين بعد 7 تشرين الأول، وإعادته إلى حلم جو بايدن، وعدم المراوحة في المكان على صيغة نتنياهو.
في الحقيقة، غولان لم يظهر حتى الآن أنه يمكنه أن يجذب جمهور ناخبين، وآيزنكوت لم يظهر حتى الآن التصميم الذي سيدفعه إلى مركز موقع القرار. لكن الوقت ينفد. إسرائيل وجدت نفسها في الأزمة الأكثر شدة في تاريخها، وهما الوحيدان على الخارطة السياسية اللذان يمكنهما بلورة تأييد الجمهور لعملية كبيرة تكون بدايتها صفقة لإعادة المخطوفين ووقف إطلاق النار وبعد ذلك إعادة سكان الغلاف والجليل إلى بيوتهم وإعادة إعمار القطاع عن طريق تشكيل قوة عسكرية وسلطوية تستبدل "حماس"، ونهايتها اتفاق شامل ينهي الاحتلال. هذا السيناريو يبدو غير محتمل الآن، لكن في تاريخ المشروع الصهيوني كانت هناك أهداف لا تقل طموحا عنها. وقد قيل عنها في السابق: "إذا شئتم هذا ليس أسطورة".
عن هآرتس