كل معركة كبرى فُرضت على الفلسطينيين منذ بداية نكبتهم كانت تنتج مواقف عربية وصديقة، تُشعر الفلسطينيين بالخذلان.
وإذا كانت حرب غزة التي يُحتمل أن تصل ضحايا إلى ما هو أكثر من عشرين ألفاً المعلنة حتى الآن، هي الاختبار الحاسم لأحجام التدخل فيها لمصلحة الفلسطينيين المحاربين، فإن ما توقعه الذين بادروا بعملية السابع من أكتوبر الضخمة، كان أكثر بكثير مما حدث، فالمقاومون في غزة لم يحضوا بالإسناد العسكري المناسب لحجم المعركة، وأهل غزة لم يحظوا بالحد الأدنى مما يحتاجون لمواصلة الحياة... وعلى المستويين الشعبي والقتالي شعر الجميع بخيبة أمل.
النزوع العاطفي عند الفلسطينيين وعمق ارتباطهم بأمتهم العربية، جعلهم دائمي التوقع حتى لو خُذلوا أول وثاني وعاشر مرة، فإن صحوة على الحقيقة لابد وأن توقظها حرب غزة، التي توشك على دخول شهرها الرابع دون تغيير يذكر على مستوى السياسات العربية تجاهها، وكان على الفلسطينيين أن لا يغالون في التوقعات لسببين:
الأول: تجارب الماضي وكان الثابت الوحيد فيها عدم التدخل العسكري لإنقاذهم.
الثاني: تعارض مصالح الدول مع رغبات الفلسطينيين، حيث بُنيت هذه المصالح على أساس ما تراه كل دولة عربية لنفسها، وهذا لا يعطي أكثر من دعم إعلامي سياسي ينفع في غلاف المعركة وليس في قلبها ولا يؤثر على نتيجتها.
الدروس المستفادة وهو في الواقع درس واحد أساسي أن التوقعات العاطفية لا مجال لتحقيقها حتى من قبل من اعتبروا حلفاء أو شركاء، وهذا الدرس يقود إلى دروس أخرى أهمها أن المكان الأكثر أمانا وفاعلية للفلسطينيين هو بيتهم الذي يجب أن يكون حصيناً ومتسعاً للجميع، أمّا من يسمون بالحلفاء والأصدقاء فإن قدموا ما يستطيعون فهذا أمر جيد وإن لم يقدموا ما هو متوقع منهم وهذا دائما ما يحدث، فلسنا عليهم حتى حق العتب.
هكذا علمتنا التجارب وكلها مرة ودامية وفادحة الخسارة.