مقالات مختارة

صوت من غزة المنكوبة

 

بقلم: آية صبري

مساء الخير

بعد انقطاعٍ طويل عدنا فيه إلى زمن الأسود والأبيض، ولا أقصد اللونين مجازاً أبداً..

أودّ إخباركم بأننا أحياء حتى هذا اليوم، نتناول الشعير كوجبة أساسية بعدما استطعنا الحصول عليه بالكاد، نشتري بعض البقوليات التي تصلح وجبةً للغداء بأسعار لا يمكن تخيّلها، نسير في الشوارع قفزاً أو جرياً لنتجنب سيول المجاري وأكوام الردم والحجارة، نبحث في المارة عمن نجى بعد كل هذه الأهوال، نبحلق في كل من نعرفه، نحتضنه ونبكي كالمجانين، هناك المزيد من الأحياء الذين يمكننا أن نأنس بنجاتهم، كلهم فقدوا أحبابهم مثلنا، وكلهم يتيهون في شوارع المدينة بحثاً عن لقمةٍ تعينهم وعوائلهم ليظلوا أحياء، هذه مهمتنا الأوجبُ في هذه الحرب..

حيارى نحنُ ومقهورين وفاقدين، نحاول التعرف على شوارعنا الجميلة، ونقسم أننا نتيه فيها ولا نعرفها على الأغلب!

 في غزة كل المباني مغطاة بالأسود، إما مهدومة أو محروقة أما الأبيض فبقية الأكفان المتبرع بها، نكفن فيها من حالفه الحظ في موته فانتُشل ولم يتحلل، وهذه عندنا ميزة..

اليوم.. هالني صوت أذان الظهر بينما أسير في أحد الشوارع، هناك مسجدٌ لم يُهدم بعد، رددتُ خلف المؤذن باستغرابٍ وأنا أبكي: كيف فقدنا أنفسنا نحن!!

في طريقنا أيضاً توقفتُ كالبلهاء أبحث عن هاتفي مسرعةً وأنا أبتسم، سجلتُ مقطعاً مرئياً لصوت العصافير المختبئة داخل شجرةٍ كبيرة على يسار الشارع، كانت المرة الأولى منذ بدأت الحرب!

يا أصدقاء

لا تطمئنوا لصبرنا، لسنا بخير، لسنا بخير، ثم لسنا بخير..

لقد أعطب الجُناة مخزون الذاكرة عندنا، الذاكرة سلاحُنا المعنوي، نحن اليوم نجهلُ شوارعنا، أحبابنا، مبانينا، مساجدنا، كنائسنا، مؤسساتنا، محالنا، قهاوينا، مطاعمنا، شواطئنا، بياراتنا، لا شيء تبقّى منا لنعرفَ أنفسنا به..

فقدنا كل شيء

فقدنا حتى ذاكرتنا

فلا تطمئنوا.

 

كلمات مفتاحية::
Loading...