بقلم: تسفي برئيل
اغتيال صالح العاروري، المسؤول عن «حماس» في الضفة الغربية، هو نجاح استخباري وعملياتي، لكنه لا يقوض في هذه الأثناء خطوات الحرب التي يديرها يحيى السنوار في غزة. العاروري في الحقيقة هو رقم 2 في هرم المنظمة بعد إسماعيل هنية. لكن حسب علمنا وخلافاً لبيان المنظمة فإنه لم يكن مشاركاً في هجوم «حماس» في 7 أكتوبر. ومثل قادة «حماس» الخارج، الذين حتى فترة قصيرة قبل الهجوم انشغلوا في قضية المصالحة بين فتح و»حماس» وتناقشوا مع مصر حول خطط إعادة إعمار القطاع وخطة لوقف إطلاق نار طويل المدى مع إسرائيل.
السنوار والعاروري، اللذان أيدا النضال المسلح ضد إسرائيل، كانا خصمَين سياسيَّين. فالسنوار اتهم العاروري بأنه بالتشاور مع هنية ينوي عزله من منصبه كرئيس لـ»حماس» في القطاع. وهكذا فإنه في الانتخابات التي جرت لقيادة المنظمة في 2021 كاد السنوار يهزم. وبعد انتخابه سارع إلى التخلص من رجال هنية وقام بعزلهم. المعركة في غزة يديرها السنوار بشكل حصري. فهو الذي يقرر كيفية توجيه المفاوضات في قضية إطلاق سراح المخطوفين، ويقوم بإملاء إجابات المنظمة على جهود مصر وقطر. مؤخراً هو يتشكك بأن قيادة «حماس» الخارج – والعاروري نفسه – تتآمر على تحقيق إنجاز سياسي ومكانة في خطة اليوم التالي على حسابه. اغتيال العاروري أزاح من أمامه خصماً داخلياً مهدداً. لكنه أيضاً أوضح له أن إسرائيل لن تمتنع عن المسّ به حتى لو أنه لم يتم استكمال صفقة المخطوفين. في حين أن مركز الاهتمام ينتقل إلى طبيعة الرد المتوقع لـ»حزب الله»، فإن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو مصير المخطوفين في وضع يدرك فيه السنوار أنهم لن يشكلوا أي درع لبقائه.
بالنسبة لرئيس «حزب الله»، فإن اغتيال العاروري هو اختبار لمعادلة المواجهة والردع التي وضعها أمام إسرائيل. فشراكته في «محور المقاومة» مقيدة بالرد على أي مس بالمواطنين اللبنانيين، وهي الصيغة التي وسعها مؤخراً عندما أعلن أن إطلاق النار من ناحيته على إسرائيل سيستمر طالما استمر إطلاق النار في غزة، لكن حسب القيود التي وضعتها إيران. مشكوك فيه إذا كانت إيران، التي لم ترد حتى الآن على اغتيال قائد «قوة القدس» في سورية وعلماء الذرة الكبار على أراضيها، ستسمح لـ»حزب الله» بتنفيذ عملية «ثأر» واسعة ضد إسرائيل. لا سيما ليس من أجل شخص لا يعتبر جزءاً لا يتجزأ من «حزب الله»، وليس بشكل يمكن أن يدمر الإستراتيجية التي اعتمدها حتى الآن وبالتالي تعريض كل لبنان لهجوم إسرائيلي، يمكن أن يعرض للخطر المعقل الأكثر أهمية الذي يوجد لإيران في المنطقة.
محور رئيس
من نواحٍ كثيرة كان العاروري عاملاً مركزياً في العلاقة التي استؤنفت بين إيران و»حماس». حتى عندما كان يعيش في تركيا، التي انتقل إليها من قطر، عمل مع إسماعيل هنية على رأب الصدع بين «حماس» وطهران بعد أن قرر خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ»حماس» في حينه، في العام 2012 قطع العلاقات بين «حماس» وسورية على خلفية المذبحة التي نفذها الرئيس بشار الأسد ضد مواطنيه. بالنسبة لـ»حماس» هذه كانت عملية إستراتيجية فصلت «حماس» عن ثدي إيران وعن العلاقة مع «حزب الله». وقد استبدلت بالعلاقات الوثيقة مع قطر وتركيا وجهود قادها مشعل من أجل إحياء علاقات «حماس» مع الدول العربية. في 2019 تم استئناف العلاقات بين «حماس» وإيران، عندما زار وفد برئاسة العاروري طهران. وفقط بعد ثلاث سنوات على ذلك تم استئناف العلاقات مع سورية، بوساطة حسن نصر الله أيضاً، بخطوة أثارت الخلافات الشديدة في صفوف «حماس».
في كل هذه الخطوات كان العاروري هو الذي لعب دور «مدير العلاقات الخارجية». العاروري، الذي طلب منه فقط في هذه السنة مغادرة تركيا في أعقاب استئناف علاقاتها مع إسرائيل، اعتبر محور إيران – سورية – «حزب الله» – «حماس»، دون قطر، محور العملية الذي يجب على «حماس» أن تبني خطواتها الإستراتيجية حولها.
انتخابه كرئيس لـ»حماس» في الضفة الغربية منحه قاعدة عمل عسكرية، حيث في الوقت نفسه انشغل ببناء قوة «حماس» العسكرية في لبنان بمساعدة «حزب الله». هاتان القاعدتان جعلتاه منافساً للسنوار، الذي أدار الجبهة الأكثر سخونة ضد إسرائيل. بذلك حقق السنوار لنفسه قوة ومكانة سياسية كبيرة حيث وصف نفسه بالجهة الوحيدة التي تخوض النضال المسلح ضد العدو، ولذلك فإنه الوحيد الذي يستحق الوقوف على رأس كل المنظمة وليس فقط في القطاع. «حماس» الضفة و»حماس» لبنان بقيتا الآن دون قائد أعلى يدير المعركة الإستراتيجية، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنهم تنفيذ عمليات تخريب تكتيكية.
في الفترة الأخيرة عندما احتدم النقاش حول قضية اليوم التالي، كان العاروري وهنية مرة أخرى اللذان انطلقا في حملة لقاءات مع جهات رفيعة في «فتح» أو شخصيات مثل محمد دحلان، الذين انسحبوا أو تم طردهم من «فتح» على يد محمود عباس. هم ناقشوا شروط المصالحة بين الفصائل وتشكيل حكومة اتفاق وطني مثل التي تم تشكيلها في 2014، لكنها انهارت. السنوار الذي لم يكن مشاركاً في هذه الخطوات، استنتج كما يبدو أنه هو الذي يتوقع أن يدفع الثمن، وأنه سيكون عليه شق طريقه بشكل مستقل أو مع خالد مشعل، إذا بقي على قيد الحياة بعد الحرب.
في الوقت نفسه، بالتحديد اغتيال العاروري يمكن أن يسرع عملية المصالحة بين «حماس» وم.ت.ف كمسار للحفاظ على مكانة المنظمة، ولا يقل عن ذلك أهمية الحفاظ على حياة قادة المنظمة. هذه الخطوة إذا تطورت يمكنها أن تجعل قيادة «حماس» تطرح مواقف أكثر مرونة مثل التي مكنت محمود عباس وقيادة م.ت.ف من التغلب على الشرط الأساسي الذي وضعته «حماس». ضمن أمور أخرى، سيكون عليهم التغلب على مطالبة «حماس» بالاعتراف بـ»الشرعية الدولية» التي تعني الاعتراف بدولة إسرائيل والاتفاقات التي وقعت عليها م.ت.ف مع إسرائيل. هذه النتيجة بدورها يمكن أن تشكل «السلطة المجددة» نفسها التي اقترحها الرئيس الأميركي كعنوان لإدارة غزة بعد الحرب.
عن هآرتس