هل يمكن أن تحكم حركة حماس قطاع غزة بعد الحرب ؟.
لنتصور واحداً من السيناريوهات الواقعية لغزة إذا ما انتهت هذه الحرب الوحشية التي تخطط إسرائيل لجعلها دائمة وطويلة مع غزة بحجة القضاء على حركة حماس ولكن لو انتهت الحرب وبقيت الحركة تحكم غزة، ستبقي إسرائيل على حصارها للقطاع ولن يكون هناك إعمار بعد أن تعرضت غزة لعملية إبادة لبنيتها التحتية حيث لا مدارس ولا شوارع ولا شيء فقد تحول القطاع إلى خرابة كبيرة.
المفاوضات الدائرة في القاهرة لم تحقق اختراقات كبيرة ترغم الإسرائيلي على قبول شروط قد تصل إلى رفع الحصار، بل إن الإسرائيلي يبحث عن وجود دائم من خلال اقتطاع منطقة عازلة تمتد على طول القطاع مع استمرار لعمليات هجومية واعتداء عسكري مستمر ومتواصل.
ولا أحد يتوقع أن تفرض تلك المفاوضات ما يمكن أن يؤمن حكماً مريحاً للحركة كما ترتئي فالميدان بعد خمسة أشهر من القتال لم يسلح المفاوضين بما يكفي من الذخيرة لفرض الشروط حيث وصلت إسرائيل لمعظم مناطق القطاع، بل وتهدد باجتياح رفح لأنه لم يكن هناك قدرة على صد التقدم.
لم يبقَ أحد لم يصل لقناعة أن إسرائيل لا تريد التفاوض، وقد قالها قادة حماس أنفسهم، وتلك القناعة وصلت لها واشنطن وما بينهما بات مدركاً أن الإسرائيلي يتهرب منها بل يستخدم كل الألاعيب للمناورة، وبات واضحاً أنه ليس معنياً بالأسرى بل هو مستعد للتضحية بهم كما تقول حركة حماس.
وفي وضع يبدو فيه طرفا المفاوضات بهذا الشكل يصعب تماماً فرض الشروط على طرف لا يريدها وتلك واحدة من حقائق السياسة، فالمفاوضات مجرد انعكاس لموازين القوى على الأرض.
يمر قطاع غزة بظروف عصيبة وفوق الإبادة التي يتعرض لها فقد توقفت الخدمات، حيث لا جهة مسؤولة قادرة على الاستمرار تحت وابل الصواريخ التي تنهمر منذ أكثر من خمسة أشهر، ولأن حكم حماس شكلياً لا يزال قائماً فهذا يعفي الإسرائيلي من مسؤوليته كقوة محتلة عن السكان الذين يتم احتلالهم وتلك معضلة.
لا تريد إسرائيل حكم غزة فقد تخلصت من هذا الكابوس باتفاقيات أوسلو منذ أكثر من ثلاثة عقود، بعد أن كان التخلص من غزة طموحاً سيطر على النقاش العام في إسرائيل في ثمانينيات قرنها الماضي واستدعت من يحكم هذا القطاع. لكن السابع من أكتوبر أعاد إسرائيل لتلك الورطة من جديد، فهي تشن حرباً شرسة وقواتها تجتاح كل المناطق ولكنها ليست مسؤولة عن السكان.. كيف يمكن هذا ؟
إسرائيل تريد إنهاء حكم حماس ولا تريد للسلطة أن تعود لتحكم، ولكن الأهم أنها لا تريد أن تعود لحكم غزة، فماذا تريد ؟ تصور نتنياهو أو الحكومة الإسرائيلية التي تراهن على الأشهر الثمانية لسقوط بايدن يقوم على أن تحكم غزة قوى محلية على نمط عشائر أو روابط قرى ...خليط هذياني في عالم السياسة يجعل من خياراتها تصورات فاشلة، لكنها تعكس مأزقاً ينتظر إسرائيل كدولة احتلال تريد إنهاء حكم إداري لجهة ما لكنها لا تريد أن تحكم، ولا تريد لغيرها أن يحكم كما قال نتنياهو: لا حماسستان ولا فتحستان.
ونظراً لما يشبه استحالة حكم حماس لغزة، ولأن الإسرائيلي يضع هذا الهدف مبرراً لاستمرار إبادة الحياة بغزة وجعله منطقة غير صالحة للعيش تمهيداً لهجرة طوعية سيضطر لها الناس حين لا يجدون أي مقومات للحياة، أي اقتلاعه تماماً كما يخطط بعد أن تراجعت إمكانيات التهجير القسري، فما الحل إذن ؟
واحد من الحلول التي باتت ضرورية أن تعلن حركة حماس أن قطاع غزة أصبح تحت الاحتلال، وأنها تنهي حكمها للقطاع وتعلن حل مؤسستها القائمة وعلى الاحتلال تحمل مسؤولياته.
صحيح أنها يمكن ألا تقبل هذا الخيار معتقدة أن الإسرائيلي سيسجل فوزاً في حربه، ولكن في هذا الخيار أيضاً ورطة للإسرائيلي المسكون بهاجس حكم غزة والذي ظن أنه تحرر منه.
في هذا الخيار ما يعمق أزمة الإسرائيلي السياسية: إما أن يتحمل مسؤولية غزة وفي ظل انسداد خياراته لن يجد سوى السلطة تقبل بالحكم «ما زالت خياراً مرفوضاً إسرائيلياً» وحينها سيكون لها ما يمكنها من وضع اشتراطات، منها وقف عدوان إسرائيل وتسليمها القطاع كاملاً دون مناطق عازلة، وتكون السلطة قد تفاهمت مع كل المكونات الوطنية على طبيعة الحكم والحكومة للضفة وغزة وهذا يعني إجهاض المشروع الإسرائيلي الذي غذته لسنوات بفصل غزة عن الضفة.
فمن المستحيل على السلطة أن تدير غزة مع وجود إسرائيلي واقتطاع جزء منه وعمليات مستمرة، فأهل غزة لا يقبلون فإما احتلال مسؤول وعودة لنقطة الصفر في الكفاح الفلسطيني، أو غزة كاملة.
بكل الظروف بات حكم حركة حماس لغزة بعد الحرب مسألة مستحيلة. فالقطاع يحتاج إلى مليارات لإعادة إعماره وهناك عشرات آلاف الشهداء، أي عشرات آلاف من الأسر الثكلى وعشرات آلاف اليتامى بحاجة إلى من يتكفلهم وضمان رعايتهم وتلك فوق طاقة حماس وإمكانياتها وعلاقاتها، فقطر لن تستطيع الاستمرار بدفع الملايين التي كانت توفرها، والقطاع المحطم لن يتمكن من دفع ضرائب لسنوات.
الميدان لم يكسر القدم الإسرائيلية عند أول دخولها لغزة بل أكمل اجتياحه لباقي القطاع، ما يعني أنه لم يعطِ للمفاوض ما يريده لفرض شروطه على طرف لا يريد التفاوض أصلاً وتلك خلاصات المعارك وواقعية السياسة .... لم ينتهِ الفلسطينيون بتلك الحرب رغم فداحة الخسارة لكنهم عادوا للاشتباك مع إسرائيل، ومن المهم أن يفكروا كيف يديرون أزمتهم ويعمقون أزمة الاحتلال، فإما احتلال كامل بدفع ثمنه، أو غزة بلا احتلال. لا مجال للعودة للترقيع أو احتلال سوبر ديلوكس كما تقول الصحافية عميرة هاس.