بقلم: عمرو الشوبكي
مثلت حرب غزة تحدياً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لمصر، وما زال كثيرٌ منها قائماً، خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بخصوص سيطرة جيش الاحتلال على ممر فيلادلفيا، والتي في حال حدوثها تتطلب موافقة مصر وفق معاهدة السلام، كما أن هناك التحدي الاقتصادي الذي تصاعد مؤخراً عقب استهداف الحوثيين عدداً من السفن التجارية، ما أثر على قناة السويس، وهناك أخيراً ملف تهجير الفلسطينيين لمصر ودول أخرى، والذي لا يتوقف المسؤولون الإسرائيليون عن ترديده، وهو ما رفضته مصر بشدة على المستويَين الرسمي والشعبي.
والمؤكد أن حرب غزة أثارت أيضاً تساؤلات كثيرة في مصر والعالم العربي حول قيمة احترام القانون والشرعية الدولية، وكيف أُعطيت هذه الحصانة لإسرائيل لتكون تقريباً الدولة الوحيدة في العالم التي من حقها ارتكاب كل أنواع الجرائم دون أي محاسبة من أي نوع.
وقد بات أمام مصر وكثير من شعوب الدول النامية تحدي أن يفقد تيار واسع من شعوب هذه الدول الثقة في المؤسسات الدولية، وهو أمر شديد الخطورة أن تتراجع قيمة القانون الدولي والشرعية الدولية، ويفقد أغلب شعوب العالم الثقة في المنظمات الدولية، لأن هناك دولة واحدة فوق القانون الدولي والشرعية الدولية بسبب حصانة أميركية خاصة وتدليل غربي لها.
والحقيقة أن هذا الانحياز الصارخ للدولة العبرية، والتبرير الفج لجرائمها، دفعا البعض إلى القول: إن هذا دليل على فشل النظم الديمقراطية وعدم جدوى بناء دولة القانون، لأنها باتت مجرد شعارات تتشدق بها الدول الغربية، وعند التطبيق يتضح حجم الانحياز وسياسة الكيل بمكيالين، وعدم احترام القوانين وقرارات الأمم المتحدة التي يُفترض وفق بديهيات أي نظام ديمقراطي احترامها.
والحقيقة أنه لا يجب أن يربط البعض في مصر قضية الانحياز الغربي الفج لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بجدوى أو جدارة النظام الديمقراطي ودولة القانون، إنما بسلبيات النموذج الغربي بكل ما يمثله من جانب استعماري، وليس قيم الديمقراطية ومبادئ احترام حقوق الإنسان التي تخلى عنها كثير من النخب والمنظومات الحاكمة في أوروبا وأميركا.
العيب ليس في جدارة دولة القانون والنظم الديمقراطية، ولا في كونها مبادئ عالمية، حتى لو اختلف تطبيقها وفق السياق الثقافي والاجتماعي لكل بلد، وإن ما يميز مصر ومعظم دول العالم الثالث أن لديها خبرة تحرر وطني، ولنا في جنوب إفريقيا أسوة حسنة، فهي دولة غير عربية ولكن لأن تاريخها الوطني تأسس على تجربة تحرر وطني حاربت التمييز العنصري، بادرت برفع قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تتهمها بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
سيبقى للدول التي لديها خبرة تحرر وطني، من إفريقيا إلى أميركا الجنوبية، دور كبير في مواجهة مثالب النظام العالمي وانحياز الدول الكبرى لإسرائيل، ومصر يجب أن تكون في القلب منها.