بقلم: عميرة هاس
لجنة طبية زارت في نهاية شهر شباط المنشأة الطبية المخصصة للمعتقلين من غزة، استجابة لطلب طاقم العلاج في المنشأة نفسها. اللجنة تم تشكيلها من ممثلي وزارة الصحة ومكتب أخلاق المهنة التابع للهستدروت الطبية في إسرائيل وإدارات المستشفيات. "كان هناك طلب من الطاقم الطبي لإجراء مراجعة أخلاقية لأن هناك أسئلة معقدة وصعبة جدا"، قال للصحيفة مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه. الزيارة الأولى تمت بعد عدة تأجيلات، بعد حوالي اربعة اشهر على إقامة المستشفى الميداني مثلما يُعرف، في قاعدة سديه تيمان في النقب. موضوع الزيارة لم يتم النشر عنه بشكل رسمي، وحسب معرفة "هآرتس" فان اللجنة حتى الآن لم تقوم ببلورة استنتاجاتها وتوصياتها.
سواء اعضاء الطاقم الطبي في المنشأة أو الاشخاص المعالجون هم مجهولون، لا أحد يتم الكشف عن اسمه ولا يُعرف باسمه. وليس هناك أي اسم يظهر في الوثائق، سواء للمعالِجين أو المعالَجين. يتم إعطاء رقم تشخيص عسكري للمعالجين يتكون من خمسة أرقام، ويتم تقييد ايديهم وإقدامهم في الأسرة، على الأغلب في معظم ساعات اليوم، وأحيانا طوال النهار والليل. "كل الأطراف مكبلة"، وصف ذلك أحد الزوار. عيونهم معصوبة طوال الوقت حتى اثناء العلاج، لأنه لا يوجد طاقم تمريض والجنود الذين يوجدون في المنشأة يرفضون اطعامهم، كما قيل للصحيفة، فانه تتم تغذيتهم بتركيبة سائلة يتناولونها بالمصاصة.
المصادر التي تحدثت مع هآرتس لا تعرف كيف وهل يصل المعالجون الى المراحيض والحمامات. المعتقلون المصابون والمرضى يتم علاجهم في خيمة كبيرة، يوجد فيها 15 – 20 سريرا. ويوجد في المنشأة عدد من المباني غير الثابتة، في واحد منها ينام أعضاء الطاقم. "هذه ظروف تناسب مستشفى ميداني في العراق"، قال شخص زار المكان. المنشأة يمكن أن تمكن الطاقم من إجراء عمليات متوسطة التي لا تشمل الوصول الى أعضاء كثيرة في الجسم. هؤلاء اطباء عامون، قال للصحيفة طبيب مطلع على الوضع. واشار الى أنهم ليسوا من اطباء العناية المكثفة أو الجراحين، هكذا احيانا يتم استدعاء اطباء من الخارج للاستشارة أو لتقديم العلاج.
عندما تكون حاجة الى اجراء فحوصات بواسطة اجهزة غير موجودة هناك أو عملية معقدة أكثر أو في حالة تدهور الوضع الصحي (مثلا انتشار تلوث) فان المعالجين يتم نقلهم للعلاج في احد المستشفيات المدنية، حتى هناك يكونون مقيدي الايدي والارجل ومعصوبي العيون، واضافة الى الرقم العسكري الذي اعطي لهم هم يعتبرون مجهولين. الجنود يتواجدون معهم طوال الوقت. وتتم اعادتهم الى سديه تيمان في وقت مبكر جدا، ليس حسب الاجراءات أو الحاجة الطبية، قال للصحيفة شخص كان شاهدا على عدد من الحالات. لقد تولد لديه الانطباع بأن السرعة مرتبطة ايضا في الرغبة بنقل المعالجين الى التحقيق. موشيه بار سمنطوف، مدير عام وزارة الصحة، قال في مقابلة مع "واي نت" في بداية كانون الثاني إنه "توجد لاسرائيل مصلحة عسكرية واستخبارية في أن يبقى هؤلاء الاشخاص على قيد الحياة، وعلاجهم يؤدي الى إنقاذ حياة مدنيين وجنود".
عدم الكشف عن هوية المرضى والطاقم الطبي في المستشفى، والتكبيل وعصب العيون طوال أيام العلاج في المستشفى، كانت أموراً معروفة لأعضاء اللجنة التي زارت المنشأة، لأن الأمور تم الكشف عنها في الإحاطة التي نشرتها وزارة الصحة في كانون الأول 2023. في هذه الإحاطة كتب: "حسب توجيهات الجهات الأمنية المسؤولة عن المعتقلين في منشأة الاعتقال، فان المعتقلين يتم تكبيلهم طوال الوقت ويتم عصب عيونهم حتى أثناء تقديم العلاج. ورغم أن الشاباك والجيش الإسرائيلي هم الذين يملون شروط العلاج، إلا أن مصدرا امنيا قال للصحيفة بأن المسؤولية عن المنشأة الطبية تعود لوزارة الصحة. وحسب التقرير الذي كتبه ونشره في شهر شباط طاقم جمعية "اطباء من اجل حقوق الانسان" عن وضع المعتقلين الفلسطينيين منذ 7 تشرين الاول، فان المستشفى يدار بصورة مشتركة من قبل وزارة الصحة والجيش.
مثلما نشر في تشرين الاول في وسائل الاعلام عن اقامة منشأة طبية للمعتقلين من غزة، تقرر بعد أن رفضت عدة مستشفيات وطواقم طبية علنا علاجهم، لكن ايضا لأن اعضاء يمينيين قاموا باقتحام مستشفى شيبا عندما عرفوا أن هناك معتقلا من غزة يعالج في المستشفى، وهددوا بفعل ذلك مرة اخرى. هناك سببان لعدم الكشف عن هوية الاطباء في المنشأة، المجندين بقوة الامر 8 ويخضعون للجيش الاسرائيلي. الاول هو الخوف من أن يشخصهم الفلسطينيون بعد ذلك، الذين قاموا بعلاجهم أو غيرهم، وأن يقدموا ضدهم دعاوى في جهات دولية بذريعة مشاركتهم في ارتكاب جرائم حرب. السبب الثاني هو الخوف من أن يقوم يمينيون متطرفون في اسرائيل بمهاجمتهم. وقد قيل للصحيفة بأن الاطباء لا يكشفون عن مهمتهم حتى أمام اصدقائهم، وكما يبدو ايضا امام عائلاتهم. عصب عيون المخطوفين استهدف أيضا حماية الأطباء (والجنود) من تشخيصهم، لكن هناك أطباء قالوا بأن غياب التواصل البصري مع المعالج يساعدهم على القيام بالمهمة بشكل مهني. مع ذلك مصادر تحدثت مع الصحيفة قالت إن الطاقم الطبي في سديه تيمان يحاول العلاج بشكل جيد بقدر الامكان في ظل ظروف بعيدة عن أن تكون جيدة.
تكبيل الايدي طوال اليوم استهدف حماية الطاقم الطبي من قبل المصابين باصابات خطيرة. في احاطة وزارة الصحة بخصوص المنشأة كتب أن المعالجين هم "مقاتلون غير قانونيين" (التعريف الذي يمكن اسرائيل من اعتقالهم في ظروف اصعب من اعتقال فلسطينيين آخرين، وأن يقيدوا اكثر حصولهم على الحد الادنى من الحقوق، من بين ذلك الالتقاء مع محامي أو كتابة تقرير عن وضعهم ومكان وجودهم).
في الأيام الأولى بعد هجوم حماس على بلدات غلاف غزة في 7 أكتوبر كان من الواضح أن المعتقلين الفلسطينيين الذين يتم علاجهم كانوا مشاركين في الهجوم. لكن عند بداية العملية البرية اعتقل في داخل غزة ايضا مئات المدنيين. منهم من تم إحضارهم الى المنشأة الطبية بسبب إصابتهم أو بسبب أنهم يعانون من أمراض مزمنة وتدهورت حالتهم الصحية أثناء الاعتقال أو بسبب أنهم لم يحصلوا على الأدوية. وحيث أنهم مجهولين تماما فمن غير الواضح الى أي مدى يدرك طاقم العلاج ذلك (ايضا في المستشفيات العادية).
في تقرير "أطباء من اجل حقوق الإنسان" كتب أن "مجرد الاشارة (في الاحاطة) الى الوضع القانوني لهؤلاء المعتقلين في الوثيقة التي تهدف الى تنظيم علاجهم تبدو محيّرة، لأن قواعد اخلاقيات مهنة الطب والقانون في اسرائيل وفي العالم تقتضي حصول كل شخص على العلاج الذي يحافظ على صحته بغض النظر عن وضعه القانوني".
هذا التقرير حلل أيضا إحاطة وزارة الصحة، وكتب أنها يمكن أن تنظم طبيعة معالجة المعتقلين في سديه تيمان، لكن عمليا "الإحاطة تخفض المعايير المهنية والأخلاقية في كل ما يتعلق بالعلاج وبعلاقة المعالج مع المريض". في التقرير ايضا يعتبر التنكيل وعصب العيون معظم ساعات اليوم "شروطا تشكل تعذيبا".
"هآرتس" سألت وزارة الصحة والهستدروت الطبية: هل حسب رأيكم هذه الظروف تمكن من تقديم العلاج المناسب. وزارة الصحة قالت إن "العلاج الذي يتم تقديمه في سديه تيمان يلبي القواعد والمواثيق الدولية التي تلتزم اسرائيل بها". وجاء ايضا أن "الوزارة تستعين باستشارة طبية كلما احتاج الامر وبمرافقة طاقم اخلاقيات المهنة. وكبار الموظفين في الوزارة يأتون الى المنشأة بين حين وآخر".
من الهستدروت الطبية جاء: "هناك موقف حاسم وواضح للهستدروت الطبية في اسرائيل وفي لجنة اخلاقيات المهنة بخصوص تقديم العلاج لكل شخص محتاج بدون تمييز. وزارة الصحة اقامت المنشأة الطبية في سديه تيمان من اجل تقديم جواب طبي في المكان، وعندما لا تكون حاجة الى علاج معقد اكثر. الهستدروت الطبية في اسرائيل والاطباء في اسرائيل يخضعون لقواعد اخلاقيات المهنة والمواثيق الدولية".
الشاباك لم يرد على اسئلة "هآرتس". وجاء من المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي الرد: "منشآت الاعتقال العسكرية تم تخصيصها للتحقيق مع المعتقلين وغربلتهم الى حين نقلهم الى مصلحة السجون أو إطلاق سراحهم وإعادتهم الى القطاع اذا وجد أنهم غير مشاركين في العمليات الإرهابية. طريقة التكبيل وإجراءات الأمان تم تحديدها حسب خطورة المعتقل من اجل حماية أمن قواتنا، بما ذلك الطاقم الطبي في المنشأة. المعتقلون في المنشأة لا يتم منعهم من الاستحمام والخروج". المتحدث لم يجب على سؤال حول عدد المعتقلين الذين تم علاجهم منذ بداية الحرب. "هآرتس" لم تحصل أيضاً على جواب على سؤال إذا كان الـ 27 معتقلا من غزة الذين ماتوا وهم تحت حماية الجيش الإسرائيلي تم نقلهم في أي مرحلة للعلاج في منشأة سديه تيمان أو أنهم ماتوا بسبب أنه لم يتم نقلهم اليها.
عن هآرتس