مقالات مختارة

لن ينسوا الـ 48، لن ننسى 7 أكتوبر

 

بقلم: يديديا يعاري*

في صيف 2005 بعد بضعة أيام من إغلاق الجيش الإسرائيلي البوابات في نهاية فك الارتباط روى لي أحد الأشخاص الفهيمين والمتوازنين في الصهيونية الدينية عن تدنيس وحرق الكنيس في إحدى المستوطنات بعد دقائق من إخلائها.
ووصف بعصف تام صورة الجموع وهم يفسدون الكنيس، يرفعون أعلام حماس ويهتفون "الموت لليهود".
على مسافة بضعة مئات الأمتار من هناك كانت تقف دبابة للجيش الإسرائيلي في خط النظر، محوطة بقوات الإخلاء وبالمخلَون الذين يصرخون لقائد الدبابة، وهو طفل تقريباً، لأن يطلق النار عليهم. "عندي أمر بوقف النار"، أجاب باعتذار، ولم يطلق النار.
أما اليوم، بعد 7 أكتوبر فلم أعد واثقاً من أن مثل هذا السيناريو كان سينتهي على نحو مشابه. لا الأمر العسكري ولا رد فعله.
ذاك الحديث البعيد، بعد فك الارتباط، عني بحدود الطاعة وليس بدوافع الثأر.
من كان شريكي في الحديث بحث عن موقف المبدأ مقابل المبدأ، الطاعة لحقنا في بلاد إسرائيل مقابل الطاعة لاضطرارات الواقع التي تنطوي على تنفيذه. أما اليوم، مع المخطوفات والمخطوفين، فإننا كلنا في تجربة مختلفة.
بهذا المفهوم، توجد علاقة ملتوية لكن جذرية بين أقوال وزير المالية سموتريتش في موضوع المخطوفين واستئناف الاستيطان في غزة، وبين رئيس الوزراء نتنياهو و "نصره المطلق"، ووزير الرياضة زوهر الذي شرح أنه ينبغي الخروج إلى معركة ضد حزب الله في لبنان ومهاجمة إيران – بعد تصفية حماس في غزة – "كي نستعيد الكرامة الوطنية"، على حد قوله. ليس أقل.
لقد كانت حرب الأيام الستة انتصاراً مطلقاً. وكان احتلال برلين انتصاراً مطلقاً. لكن النازية لم تختفِ من العالم، ومن انتصار 1967 نشأ "إرهاب" فلسطيني عنيد تمثل في العقدين الأخيرين، في خلاصته الدينية.
نتنياهو يعرف جيداً أنه لا يوجد "نصر مطلق". وهو ببساطة يتلوى. يحاول تلطيف خطورة أخطائه.
فلا يمكن لأي انتصار لنا أن يشطب لدى الفلسطينيين الـ 1948، ولا يمكن لأي نصر لنا أن يشطب 7 أكتوبر. لا عندنا، نحن الإسرائيليين، ولا عندهم.
أما سموتريتش بالمقابل، ففي "خطة الحسم" خاصته فلا يتلوى. هو يتحدث عن فرض سيادة إسرائيل على 3 ملايين فلسطيني في يهودا والسامرة والآن على 2 مليون فأكثر آخرين في غزة – ويؤمن أنهم سيتنازلون عن تطلعاتهم الوطنية، "مثلما تنازل عرب إسرائيل" على حد نهجه.
وهذا، كما يجمل، ليس "بيان ديني – قومي بل خطة واقعية، جغرافية سياسية واستراتيجية... لقاء بين الإيمان والواقعية، بين الرؤية والواقع".
إن حقائق "الواقعية الجغرافية السياسية والاستراتيجية" هي أن ليس لإسرائيل ما يكفي من قوات للسيطرة على 5 ملايين فلسطيني، والدفاع على مدى الزمن عن المستوطنين، في غزة وفي يهودا والسامرة – فما بالك عندما تكون حاجة بالتوازي لفتح معركة ضد حزب الله، وإذا كان حسب وزير الرياضة – ضد إيران أيضاً.
كل هذا حين يكون نحو نصف ملزمي التجنيد للجيش يهتمون بأمور أخرى، وحين يكون الاقتصاد منذ اليوم، يهدد بالانهيار من عبء الاحتياط وكلفة الحرب.
هذه أضغاث أحلام. وهم ينشأ عن خليط بائس من هذيان القوة، والتلاعب السياسي والدافع للمحاسبة.
"كل جندي نجا هو بفضل صفحة جمرا تعلمتها"، كما نقل مؤخراً عن تلميذ مدرسة دينية في وسائل الإعلام. يمكن إدخال الفيل الحريدي كله عقب ثقب إبرة هذا القول. بالمقابل، سمع حاخام آخر يقول، ليس بالاقتباس الدقيق أن الجمهور المؤمن المقاتل لا يوافق على أننا "نحن نُقتل وأنتم تشخصون جثثنا". هذا هو اللقاء الحقيقي بين الرؤية والواقع.
في داخلنا جميعاً يشتعل الدافع لمحاسبة وحوش 7 أكتوبر. لكن الواقع هو أنه سيتعين علينا أن نخرج من غزة بعد تحرير المخطوفين وإنهاء ما يمكن تحقيقه عسكرياً، وفي العقود التالية سيهتم هناك كل العالم لإعادة بناء الأنقاض.
هذا لن يقتلع حماس غزة – لكنه سيخصيها. هكذا بحيث نتمكن من العودة لنكون أكثر تحصيناً إلى الغلاف.
في الشمال، سيضطر حزب الله والإيرانيون في نهاية المطاف لأن يركزوا على إنقاذ لبنان من الانهيار وسيحاولون الامتناع عن مواجهة شاملة حتى لو اضطر الجيش الإسرائيلي لحملة قوية محدودة – تجبي دماراً وضحايا آخرين عندنا أيضاً – لكنه سيسمح بالعودة إلى البلدات هناك أيضاً والبدء بالإعمار. يمكن الافتراض بأن التآكل يعمل على العدو على الأقل مثلما يعمل علينا.
لا يوجد يقين في أن يكون هذا السيناريو واقعيا أكثر. لكن الواضح هو أنه كلما كانت الأحداث في الميدان سائلة أكثر هكذا تستقر الجبهة الدولية ضدنا.
بالضبط مثلما حصل في الاتفاق النووي مع إيران فإن استراتيجية نتنياهو بخصوص حماس حققت بالضبط النتيجة التي حاولت منعها.
إلى عزلة لم نشهد مثيلاً لها، وإلى ضغط لفك ارتباط ما بعد الصدمة.
دولتان للشعبين – بشكل مفروض. المعركة الحرجة ستنتقل إلى الداخل. وفي هذه المعركة سنحتاج إلى حكومة حكيمة أكثر بكثير من الجوقة الحالية. وبسرعة.

عن يديعوت أحرونوت

*القائد السابق لسلاح الجو ومدير عام رفائيل

 

Loading...