بقلم: مصطفى الفقي
حرصت على استخدام الأسماء القومية بدلاً من التعبيرات القانونية في الإشارة إلى الأمم الثلاث، وذلك لإبراز الهويات المختلفة لأهم دولتين في الجوار العربي - باستثناء إسرائيل بالطبع لما عليها من مآخذ لا تسقط بالتقادم وجرائم لن تغيب عن ذهن البشرية - مع علمنا الكامل وإدراكنا الواضح أن إسرائيل دخيلة من حيث المنشأ والسياسة والتعامل مع أصحاب الأرض من أبناء الشعب الفلسطيني الباسل.
فإسرائيل لا أتوقع منها تغييراً، مهما كانت المظاهر، ومهما بلغت الغطرسة، ومهما فعلت بدعم من الحلفاء الغربيين في تحدٍ صارخ للرأي العام العالمي، ولذلك فإنني أركز هنا على الدولتين الأخريين إيران وتركيا، والفارق بينهما واضح، فالأولى دولة لها أجندة سياسية مغلفة بإطار ديني، أما الأخيرة فهي دولة ذات تاريخ مشترك مع العرب حافل بالصعود والهبوط فلقد جثمت على صدر دول الأمة لأكثر من سبعة قرون تميزت بالقهر والتخلف والاستنزاف والتسلط ومقايضة الغرب الأوروبي دائماً بسيطرتها في البلقان والشرق الأوسط حتى امتد نفوذها إلى بعض دول المغرب العربي في أفريقيا إلى أن برز حاكم في مصر هو الوالي محمد علي الذي سعى إلى تحجيم نفوذها وتقييد سطوتها، فاجتمعت عليه الدول الأوروبية باتفاقية لندن عام 1840 لتحجم دولته بالحدود المصرية التاريخية دون التوسع الذي كان يسعى إليه جيش إبراهيم باشا ابن والي مصر، والذي دكت سنابك خيله هضبة الأناضول في تهديد مباشر للخلافة العثمانية.
أما إيران، وهي التي أصبحت دولة إسلامية شيعية منذ عصر الشاه إسماعيل الصفوي بما يؤكد أن التشيع العربي أسبق من نظيره الإيراني بقرون عدة، فالتشيع العربي يرجع إلى ما بعد واقعة التحكيم بين علي ومعاوية في القرن الأول الهجري، بينما الأمر في إيران أكثر حداثة وأقصر عمراً من سابقه العربي.
منذ قيام الثورة الإسلامية في طهران ووصول الملالي إلى الحكم ونحن نشهد تدخلاً إيرانياً واضحاً في السياسة الإقليمية باعتبارهم ورثة حكم الشاه الذي كان يعد شرطي الخليج لعقود عدة، فتوهم الملالي أن الدور الإيراني لكي يستمر ويمتد فإن عليه أن يتبنى مبررات بديلة كما كانت عليه الأوضاع في عهد الشاه فكانت نظرية تصدير الثورة الإسلامية بمنطوق فارسي هي اللغة الجديدة التي امتدت من جنوب لبنان إلى جنوب الجزيرة العربية إلى محاولات التسلل إلى العراق على رغم الحرب الطويلة التي جرت بينهما في عصر صدام حسين، فضلاً عن التحالف القوي مع الدولة السورية بثقلها العربي ومكانتها القومية.
وها نحن نشهد الآن مسرح الأحداث بعد ما جرى في غزة من جرائم غير مسبوقة في تاريخ البشرية، إذ أثبتت العمليات العسكرية من جانب إسرائيل وعدوانها على الأطفال والنساء، أنه قد جاوز الظالمون المدى، فإذا بـ"حزب الله" يزوي في ظل عمليات محدودة، ولا بأس فهذا حقه، إلا إذا كان يدافع عن لبنان الوطن الحقيقي الذي ينتمي إليه.
وقد حرصت إيران في هذه الفترة على تكرار عدم رغبتها في التورط الكامل في الحرب الدائرة ومحاولة غسل اليدين من الأحداث المختلفة لأن لطهران أجندة خاصة هي فارسية بالدرجة الأولى، ولن تكون أبداً عربية أو فلسطينية.
أما عن الترك فحدث ولا حرج إذ إن أردوغان لاعب ماهر يفتح الجبهات في براءة وهدوء، لقد زار أثناء الأحداث الأخيرة في غزة دولة اليونان الغريم التاريخي للترك، وزار مصر المنافس الاستراتيجي في شرق المتوسط وتحدث باهتمام عن الصومال في إشارة إلى العباءة الإسلامية الكبرى التي يرتديها مع عمامة الخلافة العثمانية بما لها وما عليها، وهو يحظى بعلاقات قوية عسكرية واقتصادية مع إسرائيل، ولكن يجاهر بعدائها ويدين تصرفاتها وتلك هي المراوحة الذكية من جانب حكومة أنقرة في هذه الظروف المعقدة في المنطقة، فإذا رأينا أن ننظر إلى المستقبل واحتمالاته فإننا نرصده في النقاط التالية:
أولاً: بعدما جرى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 هرع الفرس إلى غسل أيديهم مما يجري، كما أحجم "حزب الله" عن التورط الكامل في العمليات العسكرية، ووقف الترك في منتصف الطريق مكتفين بالإدانة الخطابية والتصريحات العامة، وبقيت إسرائيل موغلة في جرائمها في ظل غطرسة إرهابية لم يشهد لها التاريخ نظيراً.
عن الاندبندنت