المنطق الوحيد في لبنان وغزّة: حسابات إيران

 

في غياب التوصل إلى صفقة تعترف بموجبها أميركا بالدور المحوري والأساسي والمهيمن لإيران على الصعيد الإقليمي… ليس ما يمنع “الجمهوريّة الإسلاميّة” من تحقيق مكاسب وتسجيل نقاط في هذا البلد العربي أو ذاك. في انتظار فرصة أخرى  للعودة إلى طرح مشروع الصفقة الكبرى على “الشيطان الأكبر” الأميركي. يحدث ذلك فيما “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي غارق في وحول غزّة وأنفاقها… أو أنّه سيكون دخل في مرحلة معالجة الجروح العميقة التي تسببت بها حربه الطويلة مع “حماس”. .وهنا يدخل التصعيد الذي يشهده لبنان في سياق حسابات إيران. وهو تصعيد يترافق مع تصعيد من نوع آخر في البحر الأحمر يتولاه الحوثيون الذين استطاعوا تعطيل حركة المرور، وإن جزئيا، في البحر الأحمر بما يضرّ بمصر وإقتصادها وحركة الملاحة في قناة السويس.

لم يعد سرّا أنّ حزب الله في لبنان يصعّد هذه الأيام. يصعّد سياسيا أكثر مما يصعّد عسكريْا. ترك التصعيد العسكري لإسرائيل التي بدأت تستهدف البقاع. يبدو الحزب مستعدا للذهاب إلى النهاية في رفض أي شروط جاء بها المبعوث الأميركي آموس هوكستين من أجل الحؤول دون توسيع الحرب والتوصل إلى صيغة لتنفيذ القرار الرقم 1701  الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صيف العام 2006.

لم يعد الحزب مصرّا فقط على وجوب ربط وقف النار في جنوب لبنان بوقف النار في غزّة. بات مطلوبا أيضا الحصول على ضمانات في شأن حضور إيران أيّ مؤتمر سلام أو لقاء ذي طابع إقليمي أو دولي يخصّص لترتيبات ما بعد حرب غزّة.

يدفع لبنان غاليا ثمن سقوطه تحت النفوذ الإيراني.  لم يعد الأمر مقتصرا على استمرار الفراغ الرئاسي على الرغم من خروج ميشال عون من قصر بعبدا مع صهره جبران باسيل في 31  تشرين الأول 2022  فحسب… بل تبين بكل وضوح أيضا أن قرار السلم والحرب مصادر. في غياب أي مرجعيّة لبنانيّة تمتلك الحد الأدني من التأثير في مجريات الأمور في البلد.

لا يوجد في لبنان من يستطيع الإعتراض على فتح جبهة جنوب لبنان. مع كلّ ما تسبب به ذلك من تهجير لنحو مئة ألف مواطن من قراهم وبلداتهم التي لحقت بها أضرار بالغة. كلّ ما في الأمر أن أمور لبنان تتقرّر في طهران. وهي لا يهمها ما إذا كانت إسرائيل قررت تهجير مزيد من اللبنانيين أو قررت توسيع نطاق ضرباتها لتشمل مدينة بعلبك وقرى وبلدات محيطة بها في البقاع اللبناني.

يبدو واضحا أنّ مصير لبنان صار معلّقا أكثر من أي وقت. كان وقف النار في الجنوب مرتبطا بوقف النار في غزّة. صار وقف النار الآن مرتبطا بوجود مقعد لإيران إلى طاولة المفاوضات التي ستلي حرب غزّة. علما أنّه ليس معروفا مَن سيفاوض مَن بعد إنتهاء حرب غزّة. وما الموضوع الأساسي في تلك المفاوضات. باستثناء من سيدير القطاع الذي مساحته 365  كيلومترا مربعا تقريبا ويعيش فيه مليونان ونصف مليون فلسطيني.

أكثر من ذلك، ليس معروفا طبيعة هذه المفاوضات ومن سيمثل إسرائيل فيها وهل ستكون إدارة جو بايدن ما زالت موجودة؟ أم أن الحضور سيكون لإدارة على رأسها دونالد ترامب؟ الذي لا يزال رهانا أساسيا وربّما وحيدا، لبنيامين نتانياهو.

في حسابات إيران، صار مستقبل لبنان مرتبطا بالمجهول أي بمرحلة ما بعد حرب غزّة. التي لا يوجد إلى الآن من يعرف طبيعتها من جهة وحجم التغييرات التي ستطرأ في الداخل الإسرائيلي أو على الصعيد الفلسطيني من جهة أخرى. تشمل هذه التغييرات، في طبيعة الحال، مستقبل “حماس”  ومكانها على الخريطة السياسيّة  للمنطقة في ضوء تسببها بحرب غزّة. كذلك تشمل قيام سلطة وطنيّة فلسطينيّة مختلفة وتشكيل حكومة بديلة من الحكومة الحاليّة المستقيلة برئاسة محمّد إشتيّة.

لإيران حساباتها. لا علاقة لحسابات إيران بحسابات لبنان واللبنانيين. باستثناء أنّه يفترض في لبنان النأي بالنفس عن حرب غزّة من دون التخلي عن دعمه للشعب الفلسطيني وما يتعرّض له ردّا على “طوفان الأقصى”. تكمن المشكلة، بكل بساطة، في أن لا وجود لأي نوع من المنطق على الصعيد اللبناني من جهة. وأنّ استعادة قرار السلم والحرب من طهران تبدو مستحيلة من جهة أخرى.

صار لبنان، في ضوء كلّ ما مرّ به من تجارب منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ثم تظاهرة 14 آذار العملاقة التي ذكراها اليوم، مجرّد حقل تجارب. يخضع لتجارب تتحدّى كل منطق… باستثناء منطق حسابات إيران التي ترفض أن تأخذ في الإعتبار أن مصير لبنان صار على كفّ عفريت وأنّ اللبنانيين يبحثون عن مكان خارج بلدهم يرسلون إليه ابناءهم…

 

Loading...