مقالات مختارة

حكم عصابات" في غزة؟ ستكتشف إسرائيل أن "حماس" تقف على رأسه!

بقلم: تسفي برئيل

"العائلات والحمائل في غزة تنفي التقارير التي تفيد بأنها اجتمعت مع جهة دولية معينة. نحن نؤكد على أننا مستعدون للجلوس مع المؤسسات الدولية غير المرتبطة بالحكومات الخاضعة لرعاية الفصائل، فقط مع التي تعمل في ظل مصدر الصلاحيات الفلسطينية، الذي هو م.ت.ف، الممثلة الوحيدة للشعب الفلسطيني... الاحتلال اتصل هاتفيا مع عدد من الشخصيات من أبناء العائلات الكبيرة وطلبه قوبل بالرفض. نحن نرحب بالعائلات التي موقفها هو أن م.ت.ف هي الممثل الحصري للشعب الفلسطيني وأن غزة هي جزء لا يتجزأ من فلسطين. نحن نحذر كل من سيتعاون مع الاحتلال من اجل إثارة الفتنة والفوضى بهدف أحداث انقسام جغرافي وفصل القطاع عن فلسطين. نحن نطالب حماس بالتوقف عن إلقاء تهمة التكفير والخيانة. شعبنا لم يعد يتحمل هذه الافكار الغريبة التي تحاول حماس نشرها بواسطة وسائل اعلامها المسمومة".
هذه كانت لغة البيان الملتوي ومتعدد الوجوه الذي نشره في الأسبوع الماضي "تحالف العائلات والحمائل في المحافظات الجنوبية". يتضح منه بأن العائلات الكبيرة غير مستعدة للتعاون مع حماس، ولا مع إسرائيل ايضا. هي كما يبدو ستوافق على العمل مع السلطة الفلسطينية، لكن هل السلطة ستوافق مع هذا التحالف، في حين أنه في م.ت.ف نفسها يثور الخلاف حول اختيار محمود عباس لمحمد مصطفى رئيسا للحكومة؟
هذا البيان الاستثنائي لتحالف العائلات نشر قبل فترة قصيرة من نشر نبأ في الشبكات الاجتماعية في غزة مصدره تقارير اسرائيلية تفيد بأن حماس قتلت مختار عائلة دغمش، الحاج صالح عاشور، بسبب الاشتباه بأن المختار اجرى اتصالات مع جهات اسرائيلية، وكتحذير لكل العائلات الكبيرة في غزة كي لا تتجرأ على التعاون مع اسرائيل أو مع جهات مرتبطة بها في قضية ادارة المساعدات الانسانية وانشاء اجهزة مدنية تستبدل اجهزة حماس. عائلة دغمش تنفي مسؤولية حماس عن عملية القتل. وقد قالت إن عاشور وعدد من أبناء عائلته قتلوا في قصف اسرائيلي في 16 تشرين الثاني أثناء تواجدهم في مسجد العائلة. العاصفة التي ثارت حول قتل مختار عائلة كبيرة في غزة تدل اكثر من أي شيء آخر على التوتر الكبير الذي يتطور في القطاع في أعقاب المنشورات عن نية اسرائيل نقل السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية وبعد ذلك معالجة البنى التحتية المدنية لرجال أعمال فلسطينيين، ورؤساء عائلات كبيرة وجهات فلسطينية اخرى غير مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، وبالطبع ليس بحماس.
ليس فقط في غزة ينزعجون مما يبدو كخطة "اليوم التالي" التي وضعتها حكومة اسرائيل، بل مصر ايضا قلقة من هذه الخطة. حسب تقرير في موقع "القدس العربي" فان شخصيات مصرية رفيعة اتصلت مع رؤساء عدد من العائلات الكبيرة في غزة من اجل اقناعهم بـ "صد محاولات اسرائيل التي تستهدف تنسيق ترتيبات مستقبلية بشكل فردي مع العائلات في غزة". المصادر اشارت ايضا بأن مصر في الحقيقة "بلعت ريقها" ولم ترد بشكل علني على الخطة الاميركية لانشاء ميناء مؤقت في غزة، لكن الغضب في القاهرة كبير ازاء احتمالية أن الميناء المؤقت سيشكل التفافة على سيطرة مصر على معبر رفح ومن خلاله على سلوك حماس، وفي المستقبل على أي جهة فلسطينية ستدير غزة. ولكن مصر التي اخضعت نفسها للشروط التي وضعتها اسرائيل والولايات المتحدة لعبور المساعدات الانسانية الى غزة ولم تفتح معبر رفح لا يمكنها أن تعارض أي عملية تهدف الى زيادة حجم المساعدات. لكن عندما بدأت إسرائيل في وضع خطط تتعلق بإدارة قطاع غزة بواسطة العائلات المحلية فان مصر يمكن أن تقف على أرجلها الخلفية إزاء ما يمكن أن يسحب من يدها السيطرة على القطاع.

إن نية تشغيل عائلات أو رجال أعمال محليين كبديل عن حماس، اذا كانت في الحقيقة هي نية جدية، فمن شأنها أن تولد الانطباع وكأن الامر يتعلق بجسم تمثيلي، مدني محايد، من ناحية سياسية، وبالاساس معارض شديد لحماس. الحقيقة بعيدة قليلا عن ذلك. "تحالف العشائر والعائلات" تشكل في العام 2012 بمبادرة من محمود عباس كي ينشغل بحل النزاعات المحلية وأن يستخدم كامتداد غير رسمي للسلطة الفلسطينية بعد أن قامت حماس باقالة موظفي السلطة في 2007. عباس اعتبر هذا التحالف، الذي انضم اليه 850 ممثلا تقريبا عن العشائر والعائلات الكبيرة في غزة كـ "السلاح الاجتماعي لـ م.ت. ف في غزة"، الذين اضافة الى علاجهم للنزاعات المحلية هم أسسوا لجان مصالحة لانهاء النزاع الدموي الذي اندلع في حزيران 2007 عندما سيطرت حماس على قطاع غزة.
في السلطة قالوا في حينه بأن عباس أمر بتخصيص ميزانيات سخية لتحالف العشائر، في حين أن رؤساء التحالف يقولون بأنه منذ 2012 لم يحصلوا على أي دولار من السلطة، وأن كل نفقاتهم دفعوها من جيوبهم. ولكن في 2019 قرر عباس حل هذا التحالف وأوقف دعمه بسبب علاقته الوثيقة مع محمد دحلان الذي يطرح نفسه الآن كمرشح لإدارة الجهاز المدني في غزة بدعم من دولة الإمارات. ولكن قرار عباس لم يؤثر وبحق على التحالف واستمر في العمل من خلال كونه لسنين ذراع مساعدة مدنية في سلطة حماس، بعد أن نجحت في تفكيك معظم المليشيات العائلية المسلحة وقامت باعتقال مئات من رؤساء العشائر، وفي نفس الوقت منحهم صلاحيات مدنية، رسمية وغير رسمية، أوجدت لهم مصادر دخل جيدة. ضمن امور اخرى، استخدمت بعض هذه العائلات الأنفاق التجارية والعسكرية، وجبت رسوم عبور وتصدير واستيراد بضائع من القطاع واليه، وكل ذلك تحت رعاية وإشراف حماس.

هذا التعاون عانى من ارتفاعات وانخفاضات عنيفة عندما رؤساء العائلات الذين أسسوا لأنفسهم ليس فقط مليشيات مسلحة، التي أصبحت جزءا من "اللجان الشعبية"، بل ايضا قاموا بتحدي سلطة حماس، بالأساس في كل ما يتعلق بالسيطرة على مصادر المداخل. ولكن في داخل العائلات نفسها ايضا لم يكن هناك هدوء دائما. مثلا، قام ممتاز دغمش بتأسيس في 2006 تنظيم باسم "جيش الاسلام"، الذي بعد ذلك انضم للقاعدة وحارب ضد حماس في القطاع. شخص رفيع آخر في عائلة دغمش هو زكريا دغمش، الذي عمل على رأس "اللجان الشعبية"، وتعاون مع حماس فترة طويلة.

علاقة متواصلة

في العام 2010 "اشتكى" قائد تنظيم محلي باسم "كتائب الناصر صلاح الدين"، جسم صغير فصل نفسه عن لجان المقاومة الشعبية، اشتكى من سلوك زكريا دغمش. وفي الرسالة التي أرسلها الى خالد مشعل، الذي كان رئيس المكتب السياسي لحماس، توسل اليه كي يعزل دغمش من منصبه، الذي حسب قوله "قام بسرقة التنظيم وتدميره من اجل مصالحه الشخصية". صائغو الرسالة كتبوا بأنهم يتوجهون الى مشعل عبر وسائل الاعلام بعد أن فشلوا في تحقيق المصالحة مع دغمش بواسطة زعماء حماس في القطاع. ضمن امور اخرى، كتبوا في الرسالة بأن هذه الرسالة نشرت في موقع "فراس" الفلسطيني، لأنه "لا توجد لدينا أي وسيلة للوقوف ضد الاحتلال لأن أبو قاسم (دغمش) منعنا من إطلاق حتى لو رصاصة واحدة على العدو الصهيوني منذ سنة وهو يقوم بجمع أسلحتنا ويهدد بإغلاق الذراع العسكري للجان. في عملية الرصاص المصبوب جلسنا في البيوت مثل النساء ولم نقم بالمقاومة. والآن سمعنا أن أبو القاسم يطلب منكم الأموال عن أضرار الحرب في غزة". كُتاب الرسالة قالوا أيضاً بأن دغمش يحصل من قيادة حماس على 30 ألف دولار في الشهر وأنه هو وحده الذي يقرر على من ستوزع.
هذه العلاقة بين حماس واللجان لم تنقطع حتى في الحرب الحالية. في الاسابيع الاخيرة نشرت تقارير في غزة تفيد بأنه حسب طلب حماس فان اللجان الشعبية والمليشيات العائلية تقوم بحماية قوافل المساعدات التي تدخل الى القطاع، لأن رجال شرطة حماس يخشون من مرافقة هذه القوافل خوفا من هذه العصابات التي تعمل الآن بحرية. ولكن يصعب وضع حدود بين مجال نشاطات اللجان الشعبية التابعة للعائلات الكبيرة وبين العصابات، التي هي ايضا الأعضاء فيها محسوبون على هذه العشائر والعائلات. ليس فقط قوافل الغذاء تتم سرقتها، أيضا سرقة البيوت المتروكة أصبحت طريقة لكسب المال. السكان يقولون إنهم يشاهدون أثاثهم والأدوات المنزلية معروضة للبيع في اسواق مرتجلة. والمسؤولون عن هذا البيع هم بائعون من أبناء العائلات المعروفة. هذه المليشيات العائلية التي ترافق الشاحنات تؤجر لمنظمات الاغاثة المخازن والمباني مقابل مبالغ مرتفعة، اضافة الى الأجزاء التي تأخذها لنفسها وتقوم ببيعها بسعر مرتفع جدا للسكان.
في اسرائيل يتحدثون عن نية تجنيد "رجال اعمال" من اجل ادارة منظومة المساعدات المدنية، لكن هؤلاء هم نفس الاشخاص الذين يديرون الآن اجهزة السلب. في اسرائيل وواشنطن يدركون جيدا الفوضى الكبيرة التي ترافق مشروع المساعدات.
اقتراح اغراق القطاع بالسلع من اجل تحويل السرقة الى أمر غير مجد أو من اجل خفض الاسعار، هو ايضا يشبه الخيال. طالما أن المليشيات الشعبية والعصابات المسلحة أو مجرد الاقوياء هم الذين يسيطرون على الشارع ويسيطرون على المخازن ووسائل النقل، فان المزيد من البضائع يعني الربح الكثير للمافيا المحلية، أي العائلات الكبيرة و"رجال الأعمال"، الذين فجأة اصبحوا الأمل الكبير الذي سيحرر إسرائيل من التعاون مع السلطة الفلسطينية.
في غزة، بالمناسبة، يقولون إن عصابات الجريمة لا يمكن أن تتواجد لولا أنها تخدم مصالح اسرائيل. "العصابات تسرق واسرائيل تحميها"، كتب في احد الحسابات في "اكس" (تويتر سابقا). المشكلة هي أنه كلما استمر هذا الوضع فان اسرائيل ستجد صعوبة في العثور على جهة حقيقية مسؤولة، ليس فقط توافق بل هي ايضا يمكنها مواجهة القوات المسلحة. لأنه حتى لو وافقت السلطة على الدخول الى غزة فهي ستحتاج الى قوة شرطة كبيرة مسلحة بشكل جيد ومدربة وماهرة، من أجل البدء في فرض النظام. في هذه الفترة إسرائيل التي تخاف من إعادة ترسخ حماس وتعمل على تصفية قدراتها المدنية وليس فقط العسكرية، تخلق في غزة واقع فوضى لسلطة عصابات مسلحة، التي من شأنها أن تصبح تهديدا اكثر خطورة من حماس.

عن هآرتس

Loading...