محمد مصطفى الرئيس الثامن لحكومة السلطة في ظل رئيس دائم

ثالث شخصية مستقلة تشكل حكومة فلسطينية امام أربعة تحديات

بات محمد مصطفى (السفاريني) الرئيس الثامن للحكومة الفلسطينية التي ستكون التاسعة عشرة بعد الحكومات التي شكلها كل من: محمود عباس (2003)، وأحمد قريع (2003-2006) وإسماعيل هنية (2006-2007) وسلام فياض (2007-2013) ورامي الحمد الله (2013-2019) ومحمد اشتية (2019-2024)، علما أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات احتل ذلك المنصب مع مناصبه الأخرى كرئيس لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح".

ما يميز رئيس الحكومة الجديد أنه ثالث شخصية مستقلة تشكل حكومة فلسطينية، مع سلام فياض ورامي الحمد الله. إذ لم يعرف عنه انتماؤه إلى أي فصيل وأنه في مؤهلاته يشابه رئيس الحكومة الأسبق سلام فياض، لجهة عمله في مؤسسات أكاديمية وفي البنك الدولي، مع خبرات إدارية عالية، إضافة إلى أنه لم يعرف عنه أي شبهات سياسية أو مسلكية، في شأن شخصيته، وفي المناصب التي اشتغل فيها.

بيد أن أهم ميزة لتلك الحكومة، ولعلها تستفرد بها عن كل سابقاتها، أنها ستكون حكومة "تكنوقراط"، جملة وتفصيلا، أي غير فصائلية وغير سياسية وأنها يفترض أن تركز اهتمامها على قضايا الإدارة والتنمية والإعمار والخدمات وإدارة المجتمع الفلسطيني.ومعلوم أن تعيين مصطفى، خلفا لمحمد اشتية (عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح") في رئاسة الحكومة، بتكليف من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (14/ 3/ 2024)، أتى نتيجة ضغوط خارجية، قديمة وجديدة، مورست على الرئيس، على شكل نصائح، لدفعه للتنازل عن جزء من صلاحياته، بدعوى الإصلاح الإداري والقانوني وأيضا للتخفف من ثقل البعد السياسي للحكومات، الناجم عن ثقل حركة "فتح" في تشكيلة إدارة السلطة.

والمعنى أن هذا التغيير لم يأت نتيجة مطالبات داخلية، ولا نتيجة تولد قناعة ذاتية للرئيس في شأن ضرورة إصلاح السلطة والنظام السياسي الفلسطيني.

وبطبيعة الحال، وكما شهدنا، فقد تزايد تأثير الضغوط الخارجية، بعد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، منذ أكثر من خمسة أشهر، بدعوى التكيف مع الشروط الدولية والإقليمية لمواجهة الاستحقاقات والتداعيات التي ستلي الحرب، وضمنها متطلبات إدارة قطاع غزة، وتأمين حاجات سكانه، وإعادة الإعمار فيه، أو إعادته للحياة، وكمنطقة صالحة للعيش، وأيضا، لإثبات الأهلية في مواجهة سعي إسرائيل لاستمرار احتلالها للقطاع، أو لإبقاء هيمنتها عليه، بدعوى تعذر قدرة الفلسطينيين على إدارته، وضمن ذلك تحسين مركز السلطة، في سعيها لنيل رضا مختلف الأطراف الدولية، وبخاصة الولايات المتحدة بها، في سعيها لترقية الاعتراف بها كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

من كل ذلك يبدو أن مصطفى في مواجهة تحديات عديدة، ضمنها:

أولا، إثبات قدرته على تشكيل حكومة فاعلة، لا تكون طوع إرادة الرئيس، وحركته "فتح"، بالنظر لتعذر ذلك في التجارب السابقة، التي لم تلق النجاح المناسب بسبب سطوة الرئيس على الحكومة.

ثانيا، سيكون أمام رئيس الحكومة تركة هائلة، لم يسبق لأحد أن اختبرها، وهي الناجمة عن الخراب الحاصل في غزة، مع تشرد حوالي مليونين من بيوتهم، وإنجاز ذلك يتوقف على عدة أطراف، ضمنها إسرائيل، والولايات المتحدة مع الدول الغربية، والسلطة، أي سلطة أبو مازن، وحركة "حماس"، طبعا، إذ من غير الممكن الفصل بين التحديات السياسية وتحديات إعادة بناء قطاع غزة، وصد سياسات إسرائيل الاحتلالية والاستعمارية في الضفة.

ثالثا، سيكون رئيس الحكومة القادم أمام تحدي التدخلات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما يتعلق بمحاولات تهويد القدس، ومصادرة الأراضي وتعزيز الاستيطان، وشق الطرق الالتفافية، وعدم تسليم مستحقات المقاصة للسلطة.

رابعا، على صعيد غزة من الصعب التنبؤ بكيفية معالجة هذا الملف، إذ إن ذلك يتوقف أيضا على الكيفية التي ستنتهي عليها حرب إسرائيل في القطاع، كما سيتوقف ذلك على ديناميات الوضع الفلسطيني، بمعنى تولد ظروف إعادة بناء الكيانات الفلسطينية واستعادة الوحدة من عدمه.

من ناحية شخصية، وبغض النظر عن غياب التجربة السياسية، فإن محمد مصطفى، الذي ولد في قرية سفارين، قرب مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية عام 1954، يتمتع بمؤهلات عالية على المستوى الأكاديمي، وفي اختصاصه، إذ حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة بغداد (1976)، ثم تابع تحصيله الأكاديمي في الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة جورج واشنطن، بحيث حصل على الماجستير عام 1985، ثم الدكتوراه عام 1988.

أما على الصعيد الوظيفي، فمنذ عام 1991 وحتى عام 2005 شغل مصطفى مناصب مهمة في البنك الدولي في واشنطن، حيث عمل في البنك في إدارة الصناعة والطاقة لمنطقة أفريقيا، ثم في قسم أوروبا الشرقية، ثم في إدارة البنية التحتية والخصخصة لمنطقة الشرق الأوسط، وقد انتدبه البنك الدولي للعمل مستشارا للإصلاح الاقتصادي لدى حكومة دولة الكويت، ولدى صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، وبعدها عمل عامي 1995-1996، في منصب الرئيس التنفيذي المؤسس لشركة الاتصالات الفلسطينية.

أما بعد ذلك منذ عام 2006 إلى عام 2013 فقد شغل موقع الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني، ثم منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلس-طيني منذ عام 2015، فضلا عن كونه مستشارا اقتصاديا للرئيس الفلسطيني، منذ عام 2005.

وعلى صعيد السلطة والمنظمة فقد شغل مصطفى، في عامي 2013-2014، منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وفي عامي 2014-2015، شغل موقع نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد الوطني، وهو عضو في اللجنة التنفيذية، ورئيس الدائرة الاقتصادية لمنظمة التحرير منذ عام 2022.وقد يفيد التنويه هنا إلى أن كثرة الحكومات، والتداول على رئاستها، ليست دلالة على استقرار النظام السياسي الفلسطيني، أو ديمقراطيته، أو شرعيته الدستورية، إذ إن معظم الحكومات كانت خاضعة لرئيس السلطة، سواء ياسر عرفات أو محمود عباس، في سلطة لم تفتقد للشرعية، إذ لم تشهد انتخابات لا رئاسية ولا تشريعية منذ عام 2005، بمعنى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في منصب رئاسة السلطة والمنظمة و"فتح" منذ عقدين.

الناحية الأخرى، التي يفترض التنويه لها، أن الحديث يدور عن سلطة تحت الاحتلال، علما أن إسرائيل تصارع على كل شبر في فلسطين، من النهر إلى البحر، وتشتغل بحيث تخلق واقعا لا يسمح بإقامة دولة فلسطينية، عبر هندسة المجتمع الفلسطيني بطريقة تؤمن خضوعه، وعبر نشر المستوطنات الفلسطينية في الضفة والقدس، بحيث إن ما يتبقى هو مجرد سلطة على شعبها فقط، تحت سلطة الاحتلال، الذي يهيمن على كل شيء، على المياه والكهرباء والتجارة والمعابر وعلى المجالين الأمني والإداري، حتى لو كان لتلك السلطة رئيس ورئيس حكومة ووزراء وسفراء وعلم ونشيد.والفكرة أن الحالة الفلسطينية تتطلب ليس استبدال شخص بشخص، فهذا لا يقدم ولا يؤخر، ولعل أول شخص يفترض استبداله هو الرئيس محمود عباس ذاته، إذ إن تلك الحالة تتطلب عادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وضمن ذلك التوافق على رؤية وطنية فلسطينية جامعة، واستراتيجية كفاحية ملائمة ومجدية، تجمع بين مهمة التحرر الوطني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، في هذه الظروف والمعطيات، والتوجه نحو تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، ونحو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية وديمقراطية وانتخابية.

 

Loading...