لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل ببقاء “حماس” في غزّة. أو باستمرار الوضع في جنوب لبنان على حاله. أزالت إسرائيل غزّة من الوجود وشرّدت نحو مليونين من سكّانها في حرب شرسة، لا سابق للوحشية التي اتّسمت بها. هدفها تحويل القطاع، البالغة مساحته 365 كيلومتراً مربّعاً، أرضاً طاردة لأهلها، بما في ذلك لـ”حماس”.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الربط بين حرب غزّة ولبنان جريمة في حقّ البلد الذي يعاني مواطنوه من كلّ أنواع الظلم. بما في ذلك سرقة المصارف لأموالهم. كيف يمكن للّبناني أن يكون بلده جزءاً من حرب غزّة بعد كلّ ما حلّ فيها. يأتي ذلك في وقت يرفض النظام السوري بوضوح أيّ ربط بينه وبين هذه الحرب. بل يحاول الاستفادة من مأساة غزّة لتقديم نفسه بطريقة أخرى. بصفة كونه نظاماً يرفض تنفيذ كلّ ما تطلبه منه إيران. هذا ما دفع “الجمهوريّة الإسلاميّة” إلى تذكير النظام السوري حديثاً بالديون المترتّبة عليه لديها، وذلك كي يعود إلى بيت الطاعة الإيراني.
تبقى المشكلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل محصورة في إطار ضيّق مرتبط إلى حدّ كبير بالعلاقة السيّئة التي تربط بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. يقدّم “بيبي” مستقبله السياسي على كلّ ما عدا ذلك. يسعى إلى توظيف العلاقات الأميركيّة – الإسرائيلية في مصلحة إنقاذ نفسه لا أكثر. خصوصاً أنّ أكثريّة الإسرائيليين باتت تعترض على وجوده على رأس الحكومة. في المقابل، تسعى الإدارة الأميركيّة إلى الانتهاء من حرب غزّة والانتقال إلى البحث في مرحلة ما بعد هذه الحرب. بالتفاهم مع حكومة إسرائيلية جديدة على رأسها شخصية من نوع بيني غانتس.
يفسّر مثل هذا التوجّه لدى الإدارة الأميركية تمرير القرار الرقم 2728 الذي يدعو إلى وقف للنار في غزّة طوال شهر رمضان. مرّرت إدارة بايدن القرار عن طريق الامتناع عن التصويت. لا أهمّية للقرار على الرغم من أنّه الأوّل من نوعه منذ بدء حرب غزّة قبل أقلّ بقليل من ستّة أشهر. رفع بايدن العصا في وجه نتنياهو وليس في وجه إسرائيل. أراد القول لرئيس الوزراء الإسرائيلي إنّ أميركا لا تعمل لدى إسرائيل. في المقابل، أراد “بيبي”، عبر ردّ فعله الغاضب، توجيه رسالة إلى الرئيس الأميركي. فحواها أنّه أقوى منه في واشنطن نفسها. على الرغم من الموقف الذي اتّخذه السناتور تشاك شومر. زعيم الأكثرية الديمقراطيّة في مجلس الشيوخ. لم يكتفِ شومر، وهو في المنصب الأعلى الذي يتولّاه، عن طريق الانتخاب، يهودي أميركي، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل. بل وجّه انتقادات شخصيّة إلى نتنياهو نفسه.
في ما يتعلّق بالخطوط العريضة وبعيداً عن أوهام “حماس”، التي عبّر عنها من طهران إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي للحركة بعد لقاء مع “المرشد” علي خامنئي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان… لا وجود لخلاف في العمق أميركي – إسرائيلي. ليس صحيحاً أنّ إسرائيل باتت في “عزلة”. لن يقدّم القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولن يؤخّر. لا خلاف أميركياً – إسرائيلياً على الانتهاء من “حماس”. ولا خلاف على إحداث تغيير في العمق في جنوب لبنان عبر تنفيذ حرفيّ للقرار الرقم 1701 أو تطويره. تعرف الولايات المتحدة، قبل إسرإئيل، معنى التهديد المستمرّ لسكّان الجليل من الإسرائيليين الذين لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم. تعرف أنّ بقاء هؤلاء الإسرائيليين خارج بيوتهم تهديد وجودي للدولة العبريّة. إنّه خطوة أولى على طريق هجرة معاكسة لليهود من إسرائيل.
لا يبدو أنّ الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن أو غيره على استعداد للتخلّص من إسرائيل. تريد إدارة بايدن التخلّص فقط من شخص بنيامين نتنياهو. الذي يعتقد أنّ الوقت يعمل لمصلحته وأنّ رهانه على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيبقيه في موقع رئيس الوزراء. يُفترض في اللبنانيين استيعاب هذه المعادلة في العمق من جهة. وتفادي السقوط في الأوهام التي سقطت فيها “حماس” التي ترفض عبر قياديّيها، من جهة أخرى، أخذ العلم بما حلّ بغزّة. حصلت حرب رفح أو لم تحصل.
تبدو المعضلة التي يعاني منها لبنان في الوقت الحاضر واضحة إلى أبعد حدود. لا يريد الحزب أخذ العبرة ممّا حدث في غزّة. علماً أنّ في استطاعته ذلك في حال أجرى إحصاء لعدد المنازل المدمّرة في جنوب لبنان وعدد القرى التي هجرها أهلها. إضافة، في طبيعة الحال، إلى الأضرار والخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والمواشي. لن يكون كافياً اعتبار الحزب القرى المسيحية في الجنوب، مثل رميش، رهائن لديه كي تتوقّف إسرائيل عن التدمير الممنهج لمنطقة معيّنة في جنوب لبنان تسعى إلى تحويلها إلى منطقة عازلة. لم تبالِ إسرائيل يوماً بمسيحيّي لبنان ومصيرهم.
بكلام أوضح، لن تقف أميركا حاجزاً أمام تدمير جزئي أو شبه كامل للبنية التحتية في لبنان. إسرائيل ليست “معزولة” كما يقول إسماعيل هنيّة. إسرائيل دولة ذات مجتمع مريض تغيّر نحو الأسوأ بعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي. هل في لبنان من يريد الاتّعاظ من حرب غزّة قبل فوات الأوان وحلول الكارثة… ومن أن لا خلاف في العمق بين أميركا وإسرائيل بوجود “بيبي” نتنياهو وفي غيابه؟