الوقائع والتحديات أمام شعبنا في ذكرى يوم الأرض.

 

لقد أكد يوم الأرض الذي تصادف ذكراه هذه الأيام بالثلاثين من آذار على الروح الكفاحية التي هزمت روح انكسار جريمة النكبة وهزيمة حزيران وحولتهما إلى روح من التحدي لدى أبناء شعبنا بالداخل، حيث باتت لاحقا أكثر اشتعالاً وحضوراً واتساعاً بأرض كل الوطن منذ تاريخ هذا اليوم الخالد عام 1967 وحتى يومنا هذا في التمسك بالأرض كمعنى للهوية الوطنية، وفي مواجهة سياسات الحركة الصهيونية واداتها دولة الاحتلال من القهر القومي والقتل اليومي ومصادرة الأراضي والاستيطان الاستعماري والتمييز العنصري وفق قانون قوميتهم اليهودية وجرائم التطهير العرقي والتهجير والابادة الجماعية الجارية الآن خاصة في قطاع غزة في محاولاتهم لاستكمال مشروعهم في كل أرض فلسطين التاريخية.

ولتغيير مجتمع استعماري عنصري، لا يكفي أن يكون افراده غير عنصريين ولا يحملون عقلية استعمارية، بل يتوجب أن يعملوا لمعاداة واسقاط تلك المفاهيم والممارسات عملياً. فغياب ذلك هو أحد اسباب تفشي الفاشية بالمجتمع الإسرائيلي اليهودي، بيئة سمحت لذلك الى جانب جوهر الفكر الصهيوني ومن الصعب تجاوزها. وأن كان لتحولات أن تجري فسينتقلون من يمين ديني صهيوني إلى يمين صهيوني ليبرالي، ولا علاقة لذلك بوقف عدوان الإبادة والتهجير الجاري وبإنهاء الاحتلال والعنصرية سوى عند قلة بسيطة منهم هم اساساً مناهضين للصهيونية يتم اتهامهم بمعاداة السامية.

ورغم ان لا ديمقراطية وعدالة مع الاحتلال والأبارتهايد، وبغض النظر عن الدوافع والنتائج في عملية الصراع الجارية بين قوى واحزاب دولة الاستعمار الصهيوني في ازماتها المتصاعدة اليوم، لكن مكونات مجتمعهم تبدو الوحيدة القادرة على محاسبة حكومتهم وفرض وقائع وحكومات جديدة تخدم مصالح استمرار رؤيتهم ووجودهم الاستعماري في كل اراضي فلسطين التاريخية من وجهة نظرهم وروايتهم، في وقت عجزت فيه الأسرة الدولية عن محاسبة ومعاقبة هذه الدولة المارقة وحكوماتها طيلة عقود ماضية.

لكنه أمر مؤسف ومزعج ولا يتسم باي أشكال العدالة لشعبنا، أن نرى أن من يضطهد ويمارس القهر بحق شعبنا على مدار اكثر من ٧٦ عاما قادر على ممارسة اشكال من الديمقراطية لمكوناته اليهودية حتى ولو كانت انتقائية واحداث تغيرات تتعلق بمسار مجتمعهم وفرض ما يسمى بحق اليهود في تقرير مصيرهم، دون ان نتمكن نحن كشعب هو صاحب الأرض الأصلاني يناضل للتخلص من تبعات افعال هذه المجموعات الاستيطانية المتباينة من حيث الاصول الاثنية والعرقية والتي اختارت لنفسها قسراً صفة شعب، من ممارسة حقنا في تقرير المصير رغم عظمة التضحيات الطويلة لشعبنا الذي يستكمل مرحلة التحرر الوطني من جهة، ومن استكمال مسار التطور الطبيعي المفترض للتغير الديمقراطي في مجتمعنا الفلسطيني وفق القانون الاساسي ووثيقة اعلان الاستقلال،  على قاعدة وحدة الأرض والشعب والقضية والتوافق الوطني من جهة اخرى.   

رغم ذلك فلن يكون لإسرائيل مستقبل يسوده الاستقرار إذا سُمح باستمرار ارهاب الدولة هذا وتعاظُم جرائمها واستمرار محاولات إلغاء وجود شعبنا واستئصاله، حيث ستستمر المقاومة والكفاح التحرري لذلك وللفصل العنصري واستمرار الاحتلال كجريمة اساسية مع رفع كلفته، وسيكون الجيل القادم الذي فقد عائلاته وأصدقائه من خلال القتل أو الأسر وكل ما يملك خلال العدوان التدميري القائم بل وخلال مسار الاحتلال الطويل، أكثر شراسة في مقاومة الاحتلال حتى يتحقق لشعبنا كرامته واستقلاله الوطني بهدف الوصول الى السلام العادل والثابت سندا لحقوقنا والقوانين الدولية بما يسمح بحق تقرير مصيرنا في وطننا  .

ان إسرائيل لا تريد لأي مشروع سياسي أن يُنهي الصراع وهي مُصرّة على استمرار ما يحدث من فظائع الإبادة في غزة بهدف استئصالها من التاريخ والجغرافيا وفق رؤيتهم القديمة المتجددة وذلك عبر تنفيذ عمليات التهجير سواء الطوعي او القسري من أجل استكمال ذلك بالضفة الغربية بما فيها القدس في سياق تنفيذ خطة الحسم المبكر للصراع المتعلقة بمشروعها التوراتي الصهيوني. إضافة الى ما تستكمله من ترتيبات لاجتياح رفح وإقامة المنطقة العازلة بشمال غزة بمساحة 17% من القطاع وتقسيمه بالشارع العرضي وصولاً لرصيف الميناء الذي يُبنى بمخلفات ركام البيوت المجبول بعظام ودماء ابناء شعبنا، بهدف السيطرة الامنية وما يتعلق بالغاز من جانب، ومن استمرار توسيع الاستيطان بالقدس والضفة والاعتقالات بالجملة والاقتحامات اليومية لكافة المدن والقرى والمخيمات وعمليات اعدام الشباب التي فاقت ببشاعتها واعدادها أي فترة منذ بدء الاحتلال من جهة اخرى بهدف تكامل مشروعهم الإحلالي لمنع إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس .

امام ذلك فان إسرائيل اصبحت تعيش عزلة دولية من خلال تصاعد حركات الشعوب ضدها التي لم نشهد لها مثيلا من قبل، كما ومن أغلبية اعضاء هيئة الأمم التي اصبحت اليوم تدعوا إلى مقاطعة إسرائيل ومحاسبتها خاصة وأنها تقف اليوم أمام العدالة الدولية لأول مرة بفعل تضامن دول وأصدقاء أمميين لنا.

وهي تعيش اليوم نوع من الصراع والفوضى السياسية والاجتماعية لم تشهده منذ تأسيسها كمشروع استعماري بالمنطقة، خاصة مع تعاطف مجموعات يهودية غير صهيونية مع شعبنا في ارجاء العالم وبروز خلافات حول تشريعات قانونية لها علاقة بقانون التجنيد وعلاقة الدين بالدولة  وباستمرار ما بدأ قبل عام حول ما سمي بالانقلاب القضائي الذي هدف الى سيطرة الصهيونية الدينية على مفاصل الدولة ومصادرتها من التيار الصهيوني الليبرالي او الكلاسيكي ان صح التعبير، الأمر الذي يهدد استقرار حكومة نتنياهو الان الذي يسعى لاستدامة العدوان وتوسيع رقعة الحرب إلى الأراضي اللبنانية لأسباب سياسية وشخصية وايدولوجية تستمد مضمونها من رؤية جابوتنسكي، ومن دعم قوى الاستعمار الغربي التي ما زالت لليوم تمارس النفاق السياسي .

أن الولايات المتحدة التي يصدر عنها اليوم تصريحات متضاربة بشأن العلاقة مع اسرائيل والحديث عن تباين وجهات النظر، ما زالت ترى بإسرائيل ما يحقق لها مصالحها والتماهي الحضاري والديني والسياسي الإستراتيجي معها. فحتى قرار مجلس الامن الدولي الأخير 2728 الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة عن التصويت دون ممارسة حقها بالفيتو، قد اعتبرته في ثاني يوم على لسان مسؤولين البيت الأبيض قرارا غير ملزم ولا يحمل ابعادا قانونية، كما وليس له تأثير على الاطلاق على قدرة اسرائيل واستمرارها بالحرب!

كما وقد استقبله وزير خارجية دولة الاحتلال كاتس بالقول "ان اسرائيل لن توقف العملية الاسرائيلية وتنوي الاستمرار بالقتال حتى تقضي على المقاومة وتستعيد الرهائن المخطوفين والمحتجزين في غزة.

هذا الأمر يضع سؤالاً كبيرا  حول ماهية اعتبار الولايات المتحدة لدور مجلس الأمن ومصداقيته وقدرته على تنفيذ قراراته، الأمر الذي يتعارض مع نصوص ميثاق هيئة الأمم خاصة البند 25 واصرار الولايات المتحدة على استمرار حماية ومساعدة اسرائيل، سوى باعتبار ذلك فقط رسائل موجهة للداخل الأمريكي في ظل معركة الانتخابات الرئاسية وتصاعد المواقف المعارضة لسياسات بايدن، علما ايضا بوقوف الجانب الآخر بالحزب الجمهوري إلى جانب كافة سياسات دولة الاحتلال دون خجل أخلاقي لان مصالح قيادات الحزبين تستدعي ذلك إلى جانب مؤثرات مجمعات الصناعات المالية والعسكرية هنالك مما دفع الولايات المتحدة وإدارة بايدن أمس إقرار حزمة جديدة من المساعدات العسكرية بما يخدم استمرار عدوان الابادة .

ووفق تصريحات عدد من المسؤولين الأوروبيين فان القارة الأوروبية التي ما زالت خاضعة للسياسات الأميركية تدخل ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية في اوضاع شبيهة بما قبل تلك الحرب من جهة أخرى.

هذا هو نتاج ما تسعى له الولايات المتحدة في إطار استراتيجية سياساتها الخارجية أن كان بحربها بالوكالة في أوكرانيا أو البلقان أو بمنطقتنا ومن إثارة بؤر الحروب في مناطق مختلفة " لنشر الديمقراطية بالحروب" وفق معايرهم ونظرياتهم واستمرار هيمنتها في وجه التحولات الجارية بالنظام الدولي وصراعها مع القوى الاخرى الصاعدة وحروبها من اجل الطاقة والغاز وخطوط التجارة البرية والبحرية. ان تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى له بالمنطقة يندرج في اطار تلك الإستراتيجية التي تستدعي كما يطالبون "التجديد والمتجدد " لفصل تاريخنا عن تراث منظمة التحرير، الأمر  الذي يحاولون الدفع به ايضا في كافة دول المنطقة لتسهيل نفاذ سياساتهم بأشكال اخرى أو من خلال انفاذ نظرية الفوضى الخلاقة مجددا في بعض دول الطوق بالتعاون مع حركة الإخوان المسلمين للعبث في استقرار تلك الدول، اضافة الى ومحاولات تنفيذ ذلك التغير ايضاً بحكومة إسرائيل لتسهيل تنفيذ رؤيتهم التي لم تنتهي ترتيباتها بعد بهدف هيمنتهم واستقواء إسرائيل بالمنطقة على حساب حقوقنا السياسية في وطننا.

Loading...