بقلم: رون تيرا
الحرب في غزة انتهت بقدر كبير، دون تحقيق أهدافها، والموضوع الأساس الذي تغير من الحرب بقاء المشروع الصهيوني في ضوء المس المتعمق من جانب نتنياهو للذخائر الجوهرية في الدولة. اختياره لمصلحته الشخصية يدفعه لأن يسير على الخط مع متطرفي الائتلاف، ومن شأن الثمن أن يتراكم الى ضرر استراتيجي بعيد المدى بالوحدة، بالشرعية، بالعلاقات الخارجية وبالتوجه الدولي، بالاقتصاد، بالتصدير، بالاستثمارات الأجنبية وبميزان الهجرة والهجرة المضادة من وإلى البلاد. هذا ضرر للأجيال، من الصعب الانتعاش منه.
بينما يلعب أعداء إسرائيل الشطرنج، بمعنى لعبة استراتيجية لتصميم السنوات والعقود التالية، نتنياهو، لاعتباراته، المردوع من بن غفير وسموترتيش وبالتالي يلعب "ستنجه"، أي يتدحرج من حي الى حي في غزة دون أي اتجاه استراتيجي. فهل يحتمل ان تكون الحقيقة التي كانت قبل الحرب، وبموجبها نتنياهو بحاجة لـ "حماس" كي يحافظ على الائتلاف الذي يعتمد على سموتريتش، توجد في الحرب أيضا؟ فقد مرت نصف سنة ونتنياهو لا يزال لم يقترح حكما بديلاً لحكم "حماس".
لقد منح مواطنو إسرائيل لنتنياهو إسناداً من الحائط الى الحائط. 320 ألف رجل احتياط امتثلوا للخدمة بينما هم مفعمون بالدافعية، والجمهور مستعد لأن يضحي اقتصادياً لتمويل الحرب، و 150 ألف مواطن أُخلوا من بيوتهم. الحلفاء منحوه نصف سنة، نشر قوات غفيرة للدفاع من إمكانية فتح جبهة ثانية وللسماح لنتنياهو بحشد جهد عسكري في غزة، حماية ضد الصواريخ والحلول محل إسرائيل في مهمة القتال في باب المندب، عشرات آلاف القذائف، الموافقة على إخلاء 1.5 مليون غزي من بيوتهم، 14 مليار دولار وشبكة امان دولية.
لكن نتنياهو يحرق المقدرات، الشرعية والزمن، ويوجه إسرائيل الى نقطة لا يمكن تقريباً الانتصار منها. المواجهة على المساعدات الإنسانية والاستخفاف عديم المسؤولية بالقانون الدولي تسحق القدرات الوطنية. لنتنياهو، وليس في صالح إسرائيل أيضا لم يتبقَ تقريباً أي وقت وخطوات مهمة أخرى.
والأخطر من هذا، أمام عيون أعداء إسرائيل المندهشة، يتبرع نتنياهو بتفكيك إسرائيل من ذخائرها. الشرخ المقصود مع الولايات المتحدة والغرب والمس بالشرعية يقوضان بث عظمة وقدرات إسرائيل العسكرية، السياسية والاقتصادية. ليس لإسرائيل القدرة على أن تقف وحدها أمام جملة تحدياتها، ومن يعتقد خلاف ذلك لا يفهم العالم.
إن تفوقات إسرائيل النسبية، العسكرية، الاقتصادية والبحثية متعلقة بالاندماج الدولي. ومس محتمل بها من شأنه أن يخلق ضرراً نحتاج لسنوات جيل لإصلاحه. حتى عندما تستبدل الحكومة من شأن الأضرار أن تبقى لسنوات، هذا اذا كان ممكناً إصلاحها على الاطلاق. بكلتَي يديه وبعيون مفتوحة يعرض نتنياهو إسرائيل لخطر العزلة، الفقر، الضعف والهشاشة وعلى مدى سنوات بعد رحيله.
بالتوازي، يواصل نتنياهو تقويض إسرائيل من الداخل لتسييس الشرطة والمنظومة العامة، في حرب الميزانيات عن النمو الى تشجيع عدم عمل الحريديم وتقويض الأكاديميا والبحوث. دول أخرى تستثمر في الذكاء الصناعي، أما نتنياهو فيستثمر في الحكم الذاتي الحريدي. لأول مرة في تاريخ إسرائيل انخفضت تصنيفات الائتمان والديمقراطية. فقد خفضت الى "ديمقراطية انتخابية" في مقياس V-Dem، أي توجد انتخابات، لكن الى جانب ضعف في الكوابح، التوازنات وحكم القانون.
"اليوم التالي" لم يعد يعنى بمسألة من يحكم في غزة بل بضعف إسرائيل، وايران لا يمكنها ان تصلي لأكثر من هذا. يبدو وكأن ائتلاف نتنياهو يعاني من "أمنية موت" استراتيجية، وهو يسعى الى "لحظة متسادا" خاصته. الموضوع الملح تغير من الحرب الى مسألة كيف تنجو إسرائيل من ائتلاف نتنياهو.
عن معاريف