الأردن في حياة الفلسطينيين

لا حاجة لسرد مزايا الأردن في حياة الفلسطينيين، سواءً أولئك الذين يعيشون على أرضه وتحت سيادة دستوره وقوانينه، ويتمتعون بمواطنة كاملة، أو أولئك الذين يعيشون في الضفة والقطاع والقدس، وفي كل مكان على وجه الأرض، فالأردن الدولة والنظام والمجتمع، هو الأكثر تداخلاً واندماجاً في حياة الفلسطينيين، والأعمق تفاعلاً مع كل ما يتعرضون له في زمن الاحتلال.

وفي كل الاحتكاكات التي فُرضت على الفلسطينيين والأردنيين، إلا أن ما كان يحدث على هذا الصعيد بدا عابراً ومؤقتاً، ولم ينل من حالة الاتحاد التي فرضها الناس وحموها وأنتجوا من خلالها أجيالاً تؤمن إيماناً عميقاً بوحدة الواقع والحياة والمصير.

ولولا العواصف السياسية والحربية التي هبت على المنطقة، لتملي فك الارتباط بين الفلسطينيين والأردن، لكان موضوعياً وحقيقياً أن يقال إن الوحدة الفلسطينية الأردنية كانت الأنجح من بين كل "الوحدات" التي حاولها العرب وكانت الأطول عمراً.

هي وحدة شعبية في الأساس، حماها وكرّسها مع الدستور العظيم يقين الفلسطيني والأردني بأن لا حياة مستقرة لأي منهما دون هذه الوحدة ودون الحفاظ عليها كشرط حياة لا بديل عنه.

الآن.. ومنذ فترة تعرض الأردن للعديد من محاولات النيل من استقراره، بتهريب المخدرات بصورة منهجية إليه، وكذلك إرسال السلاح خدمة لأجندات عابثة، فأي أجندة ذات صدقية أو معنىً تقوم على غزو بلد ومجتمع بالمخدرات، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار فيه؟

الفلسطينيون الذين يواجهون أخطر حرب في تاريخهم، أعلاها وتيرة ودماراً وقتلاً في غزة هاشم، ويواجهون عصف هذه الحرب تنكيلاً في حياة أهل الضفة وعاصمتها القدس، ولا يمر يوم واحد دون شهداء ومعتقلين بالجملة، واجتياحات ينفذها الجيش الإسرائيلي، وأجهزة أمنه مع المستوطنين المتوحشين والمسلحين حتى الأسنان.

الفلسطينيون والحالة هذه يعتبرون استقرار الأردن وصموده في وجه الأجندات العابثة مصدر أمن وأمان لهم ولصمودهم، ورئةً صحيةً يتنفسون منها، وهم محاصرون باحتلال غاشم، ينتظر فرصة لمضاعفة الانقضاض عليهم وسد الآفاق أمام آمالهم المشروعة، في التحرر من الاحتلال، ونيل الحرية والاستقلال.

ذريعة الذين يتربصون بالأردن ويراهنون على إشاعة حالة فوضوية فيه تحت عناوين متعددة، أكثرها غرابة أن الأردن ينبغي أن يحارب، كما لو أن الحرب "فزعة" لا دور فيها للحسابات والقدرات، مع العلم بأن الحرب مع إسرائيل هي في الواقع حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية كذلك، التي أرسلت حاملات طائراتها بعد دقائق من موقعة السابع من أكتوبر لحماية إسرائيل وتخليصها من احتمالات اتساع الحرب، وخصوصاً من الجبهة الشمالية، تلك الجبهة التي يمتنع أولو الأمر فيها عن توسيع نطاق الحرب، وفق حسابات العرّاب الإيراني الذي يلوذ بالصبر الاستراتيجي، ووفق المصالح الإيرانية الخالصة، فهذا الصبر والتحمل أفضل ألف مرة من الدخول في حرب شاملة مع أمريكا وإسرائيل، تعرف الدولة الإيرانية الكبرى كم ستُحدث من دمار وسفك دماء تطال فداحتها المنطقة بأسرها وأول المتضررين ستكون إيران.

تضايق الأردن من موقف حركة حماس الداعي إلى النفير العام، واعتُبر تحريضاً يؤدي إلى حرف اتجاه التظاهرات الشعبية العملاقة التي بادر بها الشعب الأردني للتعبير عن دعمه وتفاعله مع صمود غزة وبطولة مقاومتها فوق أرضها، وهنا ما الذي يضير حركة حماس أن تستدرك بإصدار موقف جديد تظهر فيه حرصها على استقرار الأردن، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية على قاعدة أهمية هذا البلد لفلسطين، وللأهداف المحقة لنضال شعبها، التي يتبناها الأردن، ويعمل بكل قدراته مع العالم كله لإنجازها.

الأردن نظاماً ودولةً ومجتمع، مكانته الطبيعية في حياة الفلسطينيين وصمودهم فوق أرضهم أن يظل مستقراً بعيداً عن الارتجالات والأجندات غير المحسوبة، ولتكن قرارات الأردن ملكاً لأهله، وهم جديرون باتخاذ المناسب منها وفق المصالح الأردنية التي لا انفصام بينها وبين المصالح العربية والفلسطينية بالذات.

يقيناً أن الأردن سيواصل وقفته المميزة مع غزة وفلسطين، وأن تكون قراراته الاستراتيجية مرتبطة بقرارات الأمة كلها. فيد واحدة لا تصفق وقرار منعزل عن حاضنته القومية الشاملة هو وصفة أكيدة للفشل والخسارة ولا أحد يريد ذلك.

Loading...