تتعرض الوحدة الوطنية الأردنية هذه الأيام لامتحان جديد وذلك بعد دخول العدوان على قطاع غزة شهره السادس، وهي الوحدة التي اخُتبرت في منعطفات تاريخية عديدة منذ خمسينيات القرن الماضي وخرجت منها كما العنقاء من بين الرماد صلبة ومنتصرة للوطن وللعرش.
وهذا الامتحان يأتي هذه المرة متسللاً من تحت غطاء نصرة أهلنا في غزة وهي القضية التي تحظى بإجماع أردني قل نظيره، يتسلل هذا الامتحان من خلال المزايدة الفارغة المبرمجة باتجاه "توتير الأجواء" عبر شعارات وهتافات تعمل على تشظي وحدة الصف وتعبث بالمصلحة الوطنية العليا وتحول شكل المساندة والإسناد لشعبنا في غزة إلى قضية "ملغومة" قابلة للإضرار بالبناء الوطني الذي أُنتج بالعرق والصبر والكد على مدى أكثر من قرن من الزمن.
أمّا المظلة الأخرى للتسلل فهو الجهل والمراهقة السياسية العبثية التي بدت واضحة لدى أعداد ليست بالقليلة من المتظاهرين وهو أمر يمكن فهمه وتفسيره على أرضية "البراءة أو الجهل" حيث أن علم النفس الاجتماعي يعزو ذلك إمّا للغضب الشديد تجاه ما يجرى في غزة أو الحماسة الزائدة لدعم أهلنا هناك وفي الحالتين "العاطفة" هي المحرك بالدرجة الأساس وليس أي شيء آخر، وأود هنا التوقف بالتحليل وبالقدر المتوفر من المعلومات عند حالة التسلل الأولى لخطورتها والمتمثلة باستخدام الشعارات المزايدة والعنترية أو التي تحمل تطاولاً على رموزنا السيادية أو أجهزتنا الأمنية والنيل منها ويمكن أن نلاحظ هنا التالي:
• شعارات انقلابية ضد الدولة وضد الدستور والذي يمثل العقد الاجتماعي وهي غريبة عن ثقافة مجتمعنا الأردني الذي غادر هذا النوع من الشعارات "المؤدلجة" ذات الصبغة العقائدية منذ عقود.
• شعارات إقليمية – ذات صبغة مناطقية مؤطرة بخطاب من الكراهية لا يمكن قبول الاعتقاد بأنها عادت بمحض الصدفة وفي الأغلب أن هناك جهات مستفيدة غذّتها وتريد تقويتها من داخل المملكة على ارتباط بجهات خارجية.
وفي تفسير واجتهاد ما سبق يمكنني القول إن "لعنة الجغرافيا السياسية" التي يعيشها الأردن منذ الإمارة إلى اليوم والتي تضاف إليها "اللعنة الإسرائيلية" ساهمتا في أخذ الأمور إلى هذه الزوايا الحرجة والحساسة.
لا أود هنا الذهاب إلى استحضار تهم "معلبة" ضد جهات داخلية أو خارجية ليست مبنية على دلائل ووقائع، غير أن هناك قاعدة في "علم الإجرام" تقول أنه وفي ظل وجود جريمة مبهمة ومعقدة، فإن المجرم المفترض هو المجرم المستفيد من وقوع الجريمة، وفي حالتنا وتحديداً خلال الأسابيع الأخيرة وأقصد التظاهرات وما رافقها من أحداث مؤسفة يمكن توجيه أصابع الاتهام إلى طرفين لهما مصلحة في زعزعة الأمن والاستقرار في الاردن سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة والجهتان هما، إيران وتوابعها والاحتلال، فطهران التي تؤمن بعقيدة تصدير الثورة وجدت في حالة الحرب على غزة فرصة ذهبية في اختراق حالة التعاطف الشعبي لدى أبناء الشعب الأردني وحرف هذه الحالة نحو تهييج الشارع وتحريضه على "الدولة الأردنية" ومؤسساتها وبحجة أنها تقف حجر عثرة أمام سعيها للزحف واختراق الحدود والمشاركة في التصدي للعدوان على غزة.
أمّا الاحتلال الإسرائيلي وبخاصة في ظل هذه الحكومة التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ هذا الكيان منذ قيامه عام 1948 والذي يرأسها نتنياهو الذي يعد الأكثر كراهية للأردن، يسعى هذا الاحتلال إلى زعزعة الأمن الوطني عبر بث الفرقة والشائعات والأخبار الكاذبة في أوساط شعبنا من خلال الوحدة المخصصة لذلك والتي تدير وسائل التواصل الاجتماعي المسماة الوحدة (8200) وبخاصة الفرع الخاص (حتسف) وهي إحدى وحدات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" والمسؤولة عن متابعة ومراقبة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الخاصة بالعرب والفلسطينيين والمكلفة ببث الشائعات وفبركة الأخبار من خلال مراقبة كل ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتجسس على المحادثات التي تتم على تطبيق "فيسبوك" و تطبيق (اكس، تويتر سابقاً) بالإضافة إلى تتبع الشخصيات التي تؤثر في الرأي العام. وتهتم "حتسف" بكل شاردة وواردة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتقوم بتحليلها واستخلاص النتائج والعمل على توظيفها في الإعلام بكافة أشكاله.
الدولة الأردنية والشعب الأردني اليوم في تحد كبير عنوانه المحافظة على قدسية الوحدة الوطنية وحمايتها ودعم الاشقاء في غزة ومنع أي تعارض أو تضاد بين الحالتين وليس أمامنا إلا النجاح والنجاح فقط.