مقالات مختارة

غزة: توسيع نطاق المساعدات لن يعوّض عن غياب الهدف السياسي

بقلم: عاموس هرئيل

يواصل الغياب المتعمد لهدف سياسي واضح وعلني لحرب اسرائيل ضد «حماس» تصعيب ترجمة الإنجازات العملياتية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة إلى نتائج استراتيجية مفيدة. إن قتل 7 من عاملي منظمة الإغاثة الدولية في القصف الإسرائيلي قرب دير البلح في الأسبوع الماضي يوفر مثالا نموذجيا لذلك. اسرائيل ردت ببطء، خلال شهرين على طلبات أميركا السماح بوتيرة أعلى لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وفي ظل غياب تفاهمات سياسية فإن النجاح التكتيكي المتمثل بقتل المخربين وتدمير وسائل قتالية لن يؤثر بشكل مباشر على نتائج المعركة. إضافة إلى ذلك أخطاء الجيش الإسرائيلي وأحداث مأساوية على الأرض (مثل موت 100 فلسطيني الذين احتشدوا حول قافلة شاحنات في مدينة غزة في 29 شباط) أدت إلى ضغط دولي على اسرائيل، الذي في نهايته اضطرت إلى الموافقة على تنازلات رفضت قبولها من قبل.
نشر الجيش الإسرائيلي في نهاية الأسبوع نتائج التحقيق حول ظروف قصف قافلة منظمة الإغاثة. حسب رواية الجيش فإن عاملي الإغاثة سافروا في ثلاث سيارات، اندمجت ضمن قافلة الشاحنات التي نقلت الغذاء. على ظهر إحدى السيارات تم تشخيص مسلح، الذي بسببه تقرر في قيادة لواء الناحل مهاجمة السيارات الثلاث، بعد أن انفصلت عن قافلة الشاحنات. في قيادة اللواء اعتقدوا بالخطأ أن الأمر يتعلق بسيارات لـ»حماس». سبعة من المسافرين فيها قتلوا. ومجرد تشخيص المسلح يبدو مشكوكا فيه، لكن التشويش كان اخطر. فرغم أنه من المعروف أن مسلحي «حماس» يصعدون على شاحنات منظمات الإغاثة، سواء لإظهار سيطرة «حماس» أو محاولة نهب الإرساليات، فإنهم في القيادة تعاملوا مع هؤلاء المسافرين في السيارات على أنهم جميعا من رجال «حماس».
توجد هنا في الواقع مشكلة أخرى، اكثر عمقا. حتى قبل قصف القافلة أعلنت اسرائيل ردا على طلبات الولايات المتحدة بأنها ستسمح بزيادة الإرساليات، لكن من اجل ضمان أن هذه ستجري كالعادة ولن تواجه بفوضى، السرقة والنهب، يجب السماح بأداء لسلطة مركزية. اسرائيل بالطبع امتنعت عن ذلك لأنها لا تريد «حماس» أو أي بديل يكون مرتبطا بالسلطة الفلسطينية. المس الممنهج برموز سلطة «حماس»، لا سيما رجال الشرطة في جهاز الأمن العام، هو احد أهداف الجيش الإسرائيلي. بكلمات أخرى، الجيش يضرب «حماس» ويضعفها في إطار حربه ضد سيطرة هذه المنظمة. ولكن في  الوقت نفسه هو يصعب بذلك على نجاح توزيع منظم للمزيد من المساعدات.
اكثر من الحادثة في 29 شباط فإن القصف الذي حدث في الأسبوع الماضي أدى إلى فقدان تام لصبر الأميركيين تجاه اسرائيل. رئيس الحكومة، الذي خلال اشهر ساوم الأميركيين على خطوات الحرب وحجم المساعدات التي ستنقل، اضطر إلى التراجع. في إملاء أميركي سيزداد الآن كثيرا حجم المساعدات وسيفتح المسار القصير لإدخال المساعدات إلى شمال القطاع، من ميناء أسدود إلى معبر «إيريز»، بعد تملص اسرائيل عدة مرات.
جعلت النتائج القاسية للتحقيق رئيس الأركان هرتسي هليفي يقرر عزل ضابطين في الاحتياط، رئيس قيادة لواء الناحل وضابط تنسيق النيران، وتوبيخ ثلاثة ضباط كبار. كما هو متوقع تطورت على الفور عاصفة سياسية لأن رئيس الهيئة المعزول، العقيد نوحي مندل، هو من سكان «غوش عتصيون». يبدو أنه لم يحدث حتى الآن حادثة اتخذت فيها خطوات انضباطية ضد ضابط من الصهيونية الدينية (الحركة، وليس القائمة في الكنيست) ولم تسمع صرخة احتجاج جماعية من ناحيتها.
عمليا، لم يكن لرئيس الأركان أي مناص سوى العزل إزاء خطورة الأحداث – حسب التحقيق في قيادة الناحل تجاهلوا توجيهات قيادة الفرقة المسؤولة، كما أن تطبيق القانون على المسؤولين يقلص المخاطرة في أن يكون بالإمكان ملاحقته قضائيا في الخارج. الجمهور الإسرائيلي، اليمين بشكل خاص، لا يستوعب تداعيات الحرب بخصوص وضع ضباط الجيش الإسرائيلي أمام هيئات قضائية في الخارج. عملية «الرصاص المصبوب» (التي في أعقابها نشر تقرير غولدستون) وعملية «الجرف الصامد» ستكون لعبة أولاد مقارنة بما يتوقع هنا، على خلفية تقارير حول موت اكثر من 20 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والفتيان منذ بداية الحرب.

تشديد في المواقف
لا يتمثل الضغط الأميركي المتزايد فقط بالمطالبة بفتح أبواب المساعدات الإنسانية، التي سيتعين على اسرائيل الآن الاستجابة إليها. في محادثة بايدن – نتنياهو في مساء يوم الخميس، وفي سلسلة تصريحات للإدارة الأميركية منذ ذلك الحين، يظهر تقدم تدريجي لقرارين محتملين سيصعبان الأمر على نتنياهو. من جهة، مطالبة حازمة اكثر من اسرائيل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، التي ربما وللمرة الأولى لن تكون مرهونة بصورة واضحة حتى بصفقة تبادل. ومن جهة أخرى، في الولايات المتحدة هناك نقاش محموم بخصوص فرض قيود على المساعدات العسكرية لإسرائيل، يشمل جزءا آخذا في الازدياد من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ وفي مجلس النواب.
لذلك، يحتمل أن تكون هناك تداعيات سلبية أيضا على المفاوضات بشأن المخطوفين. عسكريا، «حماس» تواصل تكبد خسائر وفقدان ممتلكات. عملية الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء ألحقت بـ»حماس» أضرارا باهظة، تضاف إلى اغتيال مروان عيسى، رقم 3 في قيادة «حماس» في القطاع. لكن عندما ينظر رئيس «حماس»، يحيى السنوار، إلى الواقع الاستراتيجي فإنه يلاحظ أيضا تطورات إيجابية. هذه أنباء سيئة من ناحية المفاوضات لأن «حماس» يمكن أن تتشدد أكثر في طلباتها إزاء الشرخ المتزايد بين الولايات المتحدة واسرائيل.
المفاوضات بين اسرائيل والوسطاء يمكن أن تستأنف في القاهرة. وليام بيرنز، رئيس    الـ»سي.آي.ايه»، سيصل إلى المنطقة للمشاركة في المحادثات. هذا دليل آخر على التزام الإدارة الأميركية بالتوصل إلى انعطافة. لكن في هذه الأثناء لا يلوح في الأفق أي سبب للتفاؤل. حتى عندما يحقق الجيش الإسرائيلي إنجازا عمليا في جهوده للعثور على مخطوفين فإنه يصعب الحديث عن نتيجة جيدة.
أمس، اعلن الجيش أنه انقذ جثة المخطوف جلعاد كتسير من كيبوتس «نير عوز»، التي دفنت في خان يونس. حسب الجيش الإسرائيلي فإن رجال «الجهاد الإسلامي» الذين احتجزوا كتسير قتلوه قبل شهرين تقريبا. لكن إعادة الجثة هي فقط عزاء صغير للعائلة، التي كانت تأمل عودته على قيد الحياة. وهذه الحادثة تزيد من تخوفات عائلات المخطوفين الباقين. هي أيضا تذكر بالفشل الذريع للجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات في قضية المخطوفين رغم كل الجهود. حتى الآن تم إنقاذ فقط ثلاثة من المخطوفين على قيد الحياة وتمت إعادة عدة جثث لمخطوفين دفنوا في الأسر. الأغلبية الساحقة من المخطوفين الذين تمت إعادتهم كانت بفضل المفاوضات. من هنا فإن استمرار التظاهرات وتصعيد المناخ فيها بصورة تضغط كثير على رئيس الحكومة الذي يخشى من إمكانية تصاعدها.

الذعر قل
في نهاية الأسبوع، الذعر قل قليلا في اسرائيل من رد إيراني. النظام في طهران بدا مصمما على الانتقام لموت الجنرال حسن مهداوي، رجل حرس الثورة الذي قتل مع شخصيات رفيعة أخرى في قصف في دمشق في الأسبوع الماضي. لكن خلافا لجزء من التقديرات التي انتشرت في البداية في اسرائيل فإنه مشكوك فيه أن ايران تسارع نحو حرب شاملة.
الإيرانيون ينوون الرد لأن مهداوي كان رجلهم الأول في سورية وفي لبنان. ومنذ بداية الحرب في غزة فقدوا نحو 20 من رجالهم في هجمات في سورية نسبت لإسرائيل. مع ذلك، هناك عدد من السيناريوهات المحتملة للرد، ليست جميعها تؤدي بالضرورة إلى مواجهة عسكرية أوسع، التي تشمل مباشرة ايران واسرائيل. هذا مرتبط كما يبدو أيضا بدرجة نجاح جهاز الأمن في اعتراض مثل هذا الهجوم، ومنع حدوث إصابات في الجبهة الداخلية. الوضع متوتر جدا ولكنه لا يدل حتى هذه الأثناء على تدهور معروف مسبقا إلى حرب إقليمية.

عن هآرتس

كلمات مفتاحية::
Loading...