بقلم: هال براندز
تبدو سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط أمام اختبار. مفاوضات وقف النار في غزة وصلت إلى مرحلة حرجة. والهجمات التي يشنها الحوثيون في اليمن تعيق حركة الملاحة وترهق البحرية الأميركية. ولا يزال دعم بايدن لإسرائيل قوياً. لكن بعد أشهر من التوتر المتصاعد، شهدت علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تصعيداً علنياً. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإن الحرب بعواقبها الإنسانية المأساوية تضر بمكانة الرئيس بين مؤيديه التقدميين في الداخل.
لكن في الشرق الأوسط، الأمور من الممكن أن تصبح دائماً أكثر تعقيداً وقبحاً، والأرجح أن هذا ما سيحدث. وقد تكون الحرب في غزة مجرد مقدمة لأزمتين إضافيتين عواقبهما أكثر تدميراً.
الأزمة المحتملة الأولى تنطوي على خطر الحرب بين إسرائيل وميليشيا «حزب الله» اللبنانية. عندما اشتبك الطرفان في عام 2006، تعرض جنوب لبنان للدمار. ومنذ ذلك الحين، يراقب المسؤولون الإسرائيليون بقلق، قيام «حزب الله» بتكديس أسلحة أكثر تقدماً، بما في ذلك نحو 150 ألف صاروخ.
كادت حكومة نتنياهو تضرب «حزب الله» بشكل استباقي بعد هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) على إسرائيل، خوفاً من أن يستغل الانشغال الإسرائيلي بـ«حماس». لكن الإسرائيليين كفوا عن ذلك جزئياً، لأن بايدن أرسل قوة عمل بحرية ليُظهر لإسرائيل - والجميع - أن الولايات المتحدة تدعمها. لكن المشكلة الأعمق لم يتم حلها.
قلة من الإسرائيليين تريد المجازفة بأن يفعل «حزب الله» بهم ما فعلته «حماس» في الجنوب. لقد أصبح كثير من المجتمعات في شمال إسرائيل مدن أشباح؛ ويعيش عشرات الآلاف من السكان في أماكن أخرى أو انتقلوا ببساطة. وتواجه إسرائيل تقليصاً فعلياً لجغرافيتها، وهو أمر لا يمكن لأي حكومة، تحت قيادة نتنياهو أو أي خليفة محتمل، أن تقبله.
وكانت النتيجة اشتباكات عنيفة ذهاباً وإياباً، من دون حرب صريحة، لكنها تقترب منها شيئاً فشيئاً. يستخدم «حزب الله» الصواريخ المضادة للدبابات وأسلحة أخرى لاستهداف الجنود والمدنيين الإسرائيليين. وترد إسرائيل بضربات ضد البنية التحتية العسكرية للحزب وبعض قادته الرئيسيين وداعميه الإيرانيين. وكان الهجوم الأكثر دراماتيكية هو الغارة التي وقعت مطلع الشهر الحالي، وأسفرت عن مقتل مسؤولين رفيعي المستوى في «الحرس الثوري» بقنصلية طهران في دمشق - وجلبت من إيران تهديدات شديدة بالانتقام، وإن كانت غامضة.
إن نشوب حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل سيكون أشد تدميراً من الصراع في غزة. ولأن «حزب الله» هو الحليف الأكثر أهمية لإيران، فمن الممكن أن يجذب طهران أيضاً. لدى «حزب الله» وزعيمه حسن نصر الله أسباب وجيهة لتجنب مثل هذا الصراع، وليس أقلها القصف الذي تعرض له التنظيم في عام 2006. ولكن نصر الله ربما لا يرغب في سحب مقاتليه إلى نهر الليطاني في جنوب لبنان كما تطالب إسرائيل.
يمكنكم التيقن من التالي: هناك أزمة على الحدود الشمالية لإسرائيل مقبلة، ربما بمجرد انتهاء أعنف قتال في غزة وتمكن الحكومة الإسرائيلية من تحويل انتباهها إلى تهديدات أخرى. ليس من الواضح بعد ما إذا كان هذا الصراع ستتم تسويته بوساطة دبلوماسية، كما يهدف فريق بايدن، أم بالقوة، كما يهدد المسؤولون الإسرائيليون.
أما الأزمة الثانية فتتعلق أيضاً بإيران، كما الحال بالنسبة لأغلب المشاكل التي يواجهها الشرق الأوسط. إن إيران، مثلها كمثل «حزب الله»، تفضل تجنب مواجهة واسعة النطاق مع إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن هذا يرجع جزئياً إلى أن الوضع الراهن يوفر لها كثيراً من المزايا.
فالفوضى في الشرق الأوسط تعوق، ولو بشكل مؤقت، السلام الشامل. وتسمح للحوثيين، الذين قامت طهران بتسليحهم وتمكينهم، باستدراج الولايات المتحدة واستنزافها، كما أنها تخلق ستاراً من الدخان يمكن لإيران من خلفه الدفع نحو تصنيع القنبلة.
ورغم بعض التقلبات الأخيرة، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن ناضجاً للغاية، لدرجة أن طهران يمكن أن تحصل على ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب ربما لصنع ثلاثة أسلحة نووية في أقل من أسبوعين. إن صنع سلاح نووي قابل للاستخدام سيستغرق وقتاً أطول، وربما عاماً كاملاً، ولا يوجد دليل دامغ على أن إيران تتخذ الخطوات اللازمة. لكن المخاوف بشأن هذه النقطة تزداد - ففي مارس (آذار) الماضي، ذكرت صحيفة «الغارديان» أن «شخصيات إيرانية بارزة شككت في الأشهر الأخيرة في التزام طهران ببرنامج نووي مدني فقط».
ويقول الجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأميركية، إن القنبلة الإيرانية «ستغير الشرق الأوسط... إلى الأبد». ومن شأن ذلك أن يمنح طهران درعاً نووياً يمكنها من خلفه دعم الوكلاء وإكراه الأعداء. ومن شأنه أن يقلق قادة المنطقة. ومن شأنه أن يعيد تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية حتى لو لم تطلق طهران مطلقاً صاروخاً مزوداً برأس نووي.
وربما يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل قريباً تقرير ما إذا كانتا ستسمحان لإيران بالاستمرار في الزحف نحو خط النهاية النووي، أو منعها من ذلك باستخدام تدابير أكثر صرامة، بدءاً من العقوبات الصارمة إلى الضربات العسكرية. لقد التزمت إدارة بايدن الصمت في الغالب بشأن القضية النووية الإيرانية. وربما تحاول، خلف الكواليس، التفاوض على ترتيبات تجميد الوضع. أو ربما ليست لديها إجابات جيدة لتحدٍ صعبٍ للغاية وتحاول التركيز على كل مشكلة في وقتها.
ومهما يكن الأمر، فمن التمني أن نتوقع أن تؤدي نهاية الحرب في غزة إلى أي تخفيف مستدام للضغط الإقليمي. والأرجح أنها ستكون إيذاناً ببدء المراحل التالية الخطيرة من أزمة عميقة ومطولة تهدد أمن الشرق الأوسط.
كاتب رأي من خدمة «بلومبرغ»
وأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز» الأميركية