في إسرائيل: كل شيء سقط.. ماعدا نتنياهو فقط (حتى الآن)

مضى على انفجار «طوفان الأقصى» وزلزاله وارتداداته المتواصلة نصف سنة (كبيسة). هذه مناسبة لجردة حساب: ماذا حققت المقاومة الفلسطينية؟، وماذا خسرت؟؛ ثم ماذا حققت إسرائيل؟ وماذا خسرت؟.
لكن، وقبل الخوض في محاولة الإجابة على هذا التساؤل، قد يكون من المفيد لفت النظر الى مقال بالغ الأهمية للمفكر الإسرائيلي الأبرز، يوفال نُوَاح هراري، تحت عنوان «أن تربح كل المعارك، وتخسر الحرب» (يديعوت أحرونوت، 15.3.2024) يقول في مقدمته: «لا يدور القتال في غزة حول من يقتل أشخاصاً أكثر، بل يدور حول من من الطرفين المتصارعين يقترب من تحقيق أهدافه السياسية». والمقال، مثله مثل كل كتاب: يُقرأ من عنوانه.
نجحت المقاومة الفلسطينية في ست ساعات من يوم السابع من أكتوبر، في ان تُذيق إسرائيل ما ذاقته الأمة العربية في ستة أيام من حزيران 1967، من شعور بالإذلال، ومن هزيمة منكرة، حاولت التقليل من آثارها المدمرة بتسميتها «نكسة» لكن نتائجها ما زالت محسوسة وملموسة ومؤثرة في كل مناحي الحياة العربية، حتى الآن. وإذا كانت «النكسة العربية» قد بدأت بـ»اللاءات الثلاث» في مؤتمر الخرطوم، ثم وصلت الى «نَعَمات» فإنه لم يكن مفاجئاً أن تبدأ «النكسة الإسرائيلية» بـ»لاءات» إسرائيلية مماثلة، ولن يكون مفاجئاً أن تنتهي إلى «نَعّمات» إسرائيلية في مقبل الأيام. وإذا كانت كل خسائر إسرائيل في حرب «الأيام الستة» 983 قتيلاً، و15 أسيراً، و4517 جريحاً، فإنها خسرت في «الساعات الست» أكثر من 1200 قتيل، و250 مخطوفاً (مدنياً) وأسيرا (عسكريا) وعدداً هائلاً من الجرحى لم تعلن إسرائيل بعد أرقاماً محددة له، وما زالت هذه الخسائر في تصاعد مستمر.
نصل هنا الى محاولة تسجيل جردة حساب شاملة لزلزال السابع من أكتوبر، وما تلاه حتى الآن، لكن باختصار تقتضيه المساحة المتاحة:
ـ ماذا حققت المقاومة الفلسطينية؟:
1ـ أعادت قضية شعبنا الفلسطيني الى واجهة الأحداث، وبعد سنين عديدة من انعدام أي مبادرة فلسطينية، جاءت مبادرة السابع من أكتوبر لتفرض القضية الفلسطينية، بجميع أبعادها، وتمكينها من احتلال الموقع الأول في جميع نشرات الأخبار في العالم.
2ـ أكسبت الشعب الفلسطيني تعاطفاً غير مسبوق، بتظاهرات ملايين من البشر في شوارع عواصم العالم ومدنه، وشملت، لأول مرة، عواصم ومدن أوروبا الغربية وأمريكا ذاتها، وشكّلت ضغطاً هائلاً على صناع القرار في هذه العواصم، أثمرت وتثمر مكاسب عديدة لقضيتنا العادلة في كثير منها، وما زالت تضغط على الآخرين.
3ـ أعادت الأمل لفتح كل ملفات القضية الفلسطينية: من «وعد بلفور» الى «قرار التقسيم» الى «إقامة إسرائيل» و«النكبة» و«استعمار الضفة الغربية وقطاع غزة».
4ـ أعادت الاعتبار الى «المقاومة الفلسطينية» و«قياداتها الميدانية» بعيداً، وبغض النظر عن القيادات السياسية المترهلة، (المنقسمة والمتصارعة) للحركات والجبهات والفصائل الفلسطينية جميعها، دون استثناء.
4ـ جرجرت إسرائيل، (بفضل شجاعة شعب جنوب إفريقيا وحكومته) الى مقعد المتَّهَم في محكمة العدل الدولية، بتهمة العنصرية والإبادة الجماعية، (الأبارتهايد).
ـ ماذا خسرت المقاومة والشعب الفلسطيني؟. كثيراً، بل وكثيراً جداً:
1ـ خسارة في الأرواح أكثر من 40 ألف شهيد وضحية، في قطاع غزة، نسبة منهم ما زالت تحت الأنقاض: ربعهم (حسب بعض التقديرات) من الشهداء المقاتلين؛ وأكثر من نصفهم من الضحايا المدنيين، الأطفال والنساء وكبار السن. ويضاف الى هذا العدد الهائل أكثر من ألفي شهيد وضحية في الضفة الغربية.

2ـ دمار غير مسبوق في كل مدن ومخيمات وقرى قطاع غزة.
3ـ تكبيد كل أطفال وفتية وشباب قطاع غزة خسارة سنة دراسية. ما يعني خسارة سنة من أعمارهم.
4ـ حرمان من الطعام والماء وكل وسائل العيش الأساسية لأكثر من مليوني مواطن فلسطيني في قطاع غزة، وترويعهم على مدى أكثر من نصف سنة، حتى الآن.
رحم الله الشهداء والضحايا، وأعان الله شعبنا.
ـ ماذا حققت إسرائيل؟:
1ـ أنهت صدمة زلزال السابع من أكتوبر، تفسّخاً وتشرذماً عمودياً وأفقياً غير مسبوق في الشارع اليهودي في إسرائيل، بدأ منذ مطلع العام الماضي، أي منذ تشكيل نتنياهو لحكومته الأخيرة/الحالية، وتوحّد وتماسك هذا الشارع تحت شعار «معاً ننتصر». لكن هذا التماسك الكامل للشارع اليهودي لم يُعمّر أكثر من أسابيع قليلة، مع بدء اقتناع أهالي المخطوفين المدنيين والأسرى العسكريين، أن نتنياهو وحكومته فاقعة العنصرية، ليسوا في وارد دفع أثمان تحرير مخطوفيهم وأسراهم.
2ـ أثمرت هذه الصدمة تعزيز حكومة نتنياهو بانضمام كتلة «المعسكر الرسمي» برئاسة بيني غانتس الى الحكومة، وتشكيل «مجلس الحرب» (الأقل عدداً من الكابينيت) بمشاركة غانتس وآيزنكوط، (وهما رئيسان سابقان لهيئة أركان الجيش الإسرائيليين ولهما مصداقية وقبول في ذلك المجتمع) وإعطاء الأمل للشارع اليهودي في إسرائيل، بأن قيادة العمل العسكري والسياسي، للرد على زلزال السابع من أكتوبر، ليست بيد المهووسين، أمثال سموطرتش وبن غفير. لكن هذه الثمرة أيضاً لم تعمّر طويلاً، وتتبارى وسائل الإعلام منذ أسابيع، في تحديد موعد تفسّخ هذه الشراكة وتشرذمها وانقضاء عمرها.
ـ ـ ماذا خسرت إسرائيل؟ خسرت كل شيء ممكن خسارته، تقريباً:
1ـ صورتها، وحقيقة ادعائها امتلاك رابع أقوى جيش في العالم، وأقوى جهاز مخابرات في العالم، ومتابعتها لتفاصيل ودقائق كل ما يمكن أن يعنيها، او يعني غيرها حتى من أحداث وتطورات وعمليات عسكرية وسياسية. حيث تبين أن عدداً من «قادة ميدانيين» من المقاومة الفلسطينية، لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة، قادرون على حشد بضعة آلاف من المقاتلين، سلاحهم بدائي ومن صناعة وانتاج محلي، يمكن لهم إذلال «رابع أقوى جيش في العالم» وإذلال كل أجهزتها ومخابراتها العسكرية والمدنية بكل ما تملكه من تكنولوجيا.
2ـ انكشاف هشاشتها، وفضح عجزها عن حماية نفسها، وحماية من «يُطبّع علاقته معها». وهو ما اضطر حليفتها الأقوى في العالم الى استنفار قواتها، وإرسال حاملات الطائرات والغواصات النووية لحمايتها.
3ـ انكشاف حقيقتها على أنها «جمهورية الموز» لا أكثر، حيث اضطرت في الأسبوع الماضي الى الاستجابة لأول إنذار أمريكي جدي، بعد أقل من ساعتين من إصداره.
4ـ انتقالها من مقعد المتَّهِم والضحية في محكمة العدل الدولية، لجرائم العنصرية النازية والإبادة الجماعية لليهود في أوروبا، الى مقعد المتَّهَم في هذه المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم عنصرية صهيونية ضد ضحاياها من أبناء الشعب الفلسطيني.
5ـ ترحيل نحو 200 ألف من مواطنيها، في محيط قطاع غزة وفي منطقة شمال الجليل، إلى «مناطق آمنة» وتحويلهم الى لاجئين.
6ـ عن الاقتصاد، (ولست خبيراً ولا متخصصاً في هذا المجال): تتحدث المصادر الإسرائيلية عن تكلفة حرب إسرائيل على غزة، حتى الآن، عن أكثرمن ثلاثين مليار دولار، وعن تخفيض في ما يسمى «التصنيف الإئتماني» لإسرائيل.
7ـ وقد يكون هذا هو الأخطر، وللتوضيح: بعد أقل من أسبوع من إعلان بن غوريون «إقامة دولة إسرائيل» أمر بحل كل العصابات والميليشيات اليهودية، وتشكيل «جيش الدفاع الإسرائيلي» وعاقب من رفض، وضرب من تصدى، لهذا القرار. وكان على قناعة بحقيقة أن الميليشيات والعصابات تصلح للتدمير، وليس لبناء دولة ومؤسسات، وأن القادر الوحيد على ذلك، هو السلطة المركزية والجيش والشرطة وأجهزة الأمن. وها نحن نرى بن غفير اليوم يحوّل الشرطة الإسرائيلية (وحرس الحدود منها) الى ميليشيات مسلحة، ويزيد عليها بتوزيع نحو 300 ألف قطعة سلاح، على مواطنين يهود في إسرائيل، دون تدقيق حقيقي في نوعيتهم، ليكون ذلك بدء فصل جديد في «عصر ميليشيات صهيونية». وأخطر من ذلك اعتراض سموطرتش، (وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع) على السماح لرئيس الأركان بترفيع وتعيين ضباط كبار، ومطالبته بالمشاركة في اتخاذ القرارات، على هذا الصعيد، لتعيين ضباط من يشاطرونه تفكيره المهووس والعنصري، وهو لو نجح في ذلك، لبدأت مرحلة تحويل الجيش الى نوع من الميليشيات.
باختصار: كل شيء (في إسرائيل) سقط.. ما عدا نتنياهو فقط. حتى الآن.

 

Loading...