لا يكفي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما يواجه من أزمات مرتبطة بالهزيمة العسكرية غير المسبوقة التي لحقت بإسرائيل في غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي أظهرت سوء تقديره وعجزه وأدت إلى انخفاض نسبة شعبيته وحزبه "الليكود" إلى أدنى مستوى منذ سنوات طويلة، حتى يضاف إلى همومه هماً جديداً كالسيف المسلط على رقبته والذي استلته محكمة العدل العليا الإسرائيلية أولاً بإلغاء قانون سنه البرلمان وينص على شطب "حجة المعقولية" بأغلبية 8 قضاة مقابل 7 قضاة. وثانياً، إصدار قرار إضافي يؤجل تطبيق تعديل قانون " عزل رئيس الحكومة" إلى ما بعد الانتخابات القادمة وقد صوت لصالح القرار 6 قضاة وعارضه 5 قضاة.
بالنسبة لـ “حجة المعقولية" فهي وسيلة للرقابة القضائية تستخدمها المحكمة لفحص القرارات الصادرة عن الأذرع الإدارية في السلطة التنفيذية من الأفراد أو المؤسسات من حيث مدى معقوليتها، وفي حال وجدت أن هناك عيباً إدارياً أو إجرائياً في القرارات يتم إلغائها. وخاصة إذا مست القرارات بالحقوق أو كانت قائمة على التمييز أو أن بها عيوباً ولا تتبع الإجراءات السليمة. وقد نجحت الحكومة في إلغاء العمل بهذه الحجة بسبب أنها تملك أغلبية في الكنيست، على الرغم من وجود معارضة كبيرة للتعديلات القضائية التي أرادت تطبيقها الحكومة في إطار ما تسميه "الإصلاحات القضائية" والتي تعتبرها المعارضة الواسعة انقلاباً على السلطة القضائية. وهذه ضربة كبيرة لمشروع نتنياهو الانقلابي الذي أصبح في مهب الريح، على الرغم من عدم تخليه عن الهجوم على المحكمة العليا والقضاء والتهديد بتقليص صلاحية السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية المتحكمة بالسلطة التشريعية.
الضربة الأهم التي تلقاها نتنياهو والتي تلف الحبل حول رقبته هي قرار المحكمة العليا تأجيل تطبيق التعديل القانوني في مسألة عزل رئيس الحكومة الذي أقر في شهر آذار (مارس) من العام الماضي. والذي يحد من إمكانية عزل رئيس الوزراء، وينص على أن رئيس الوزراء نفسه أو مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين يمكنهما الإعلان عن أن رئيس الحكومة "غير لائق لأداء مهامه بسبب عجزه البدني أو العقلي" وبعدها يتم التصديق على القرار بأغلبية الكنيست، إلى الدورة القادمة في الكنيست أي إلى ما بعد الانتخابات. والسبب الذي يقف وراء قرار المحكمة العليا هو الاعتقاد أن هذا القانون تم سنه لأسباب شخصية تتعلق بنتنياهو شخصياً وليس لأسباب عامة تخص أي رئيس حكومة.
والسبب الجوهري وراء تعديل قانون "العزل" هو أن المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا كانت تفكر في عزل نتنياهو لأنه متهم بـعدد من الجرائم منها "الرشوة وإساءة الأمانة والاحتيال" ولا يزال يخضع للمحاكمة، وهي تعتبره غير لائق للاستمرار في منصبه. وعليه قام الائتلاف الحكومي بتعديل القانون بحيث لا يمكن عزله. والمستشارة القضائية تعارض قرارات الحكومة وتعديلاتها القانونية سواء بمسألة "العزل" أو في مسألة إلغاء "حجة المعقولية".
لقد أصبح وضع نتنياهو سيئاً جداً الآن بسبب المشاكل التي تعصف بحكومة الحرب في ظل الخلافات بين المستوى السياسي الذي يمثله نتنياهو وأطراف الصهيونية الدينية وبين المستوى العسكري المدعوم من شركائه الجدد في حزب "المعسكر الرسمي" برئاسة بيني غانتس. وعلى ضوء هذه الخلافات التي فجرت انعقاد المجلس السياسي الأمني المصغر في يوم الجمعة الماضي 5/1/2024، قد يغادر غانتس الحكومة. وفي هذا السياق هناك من يعتقد أن غانتس سيغادر بعد البدء في تنفيذ المرحلة الثالثة للحرب. وفي حال مغادرة غانتس سيبدأ الهجوم على نتنياهو وإدارته الفاشلة للحرب وللوضع العام في إسرائيل. وهذا قد يفضي إلى تحركات شعبية كبيرة وإلى تدخل المستشارة القضائية لجهة عزله. وعلى الأقل هذه امكانية قائمة طالما لا يتم الاتفاق على انتخابات جديدة.